التعداد السكاني في العراق ضرورة ملحّة
حسين عليوي ناصر الزيادي
يأتي العراق في مصاف الدول العربية التي تمتلك تاريخا طويلا في مجال إجراء التعدادات السكانية، إذ اجريّ أول تعداد سكاني عام 1947 وتلاه ستة تعدادات كان آخرها عام 1997 العراق بهذا يعد الثالث بين الدول العربية في إجراء التعداد السكاني ، علماً ان التاريخ العراقي يحفل بالعديد من المحاولات الهادفة الى عد وحصر الموارد البشرية والطبيعية.
ويعد التعداد السكاني الموجه الحقيقي للعجلة التنموية والميدان الرحب الذي تجد فيه التنمية ضالتها ومظهرا مهما من المظاهر الحضارية التي تتميز بها الدول المتقدمة، وضرورة من ضرورات التطور الذي تنشده أية امة ـ كما انه من أهم مصادر المعلومات الإحصائية التي تعتمد عليها الدول في بناء نهضتها والتخطيط لمستقبلها، وهو المنبع الرئيس الذي يمكن الاطمئنان والركون الى صحته بغية الحصول على البيانات والإحصاءات، وان إمكانية البحث في موضوعات السكان تتوقف على ما توفره دقة البيانات الديموغرافية وعن طريق التعداد يمكن معرفة احجام السكان ومعدلات نموهم وتوزيعهم الجغرافي وتراكيبهم وخصائصهم الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية، والوقوف على المشاكل الاقتصادية التي يعانيها البلد ومنها البطالة والفقر والامية والعجز السكني وغيرها كثير، ولا يمكن لأي مرفق تنموي ان يتطور بدون وجود احصائيات دقيقة وبيانات كافية عن كل ما يتعلق به، والقصور والعجز في تلك البيانات سيؤدي حتماً الى تخبط في التخطيط وسوء ادارة، وفي العراق يكتسب التعداد السكاني اهمية لأنه لم يتم اجراء تعداد سكاني منذ عام 1997.
وفي العصر الحديث أصبح التعداد السكاني ضرورة ملحة من ضروريات التخطيط السليم وسمة من سمات التقدم لأنه يمثل العملية الكلية لجمع البيانات الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية وتجهيزها ونشرها في زمن معين، وفي نطاق جغرافي محدد، وعلى الرغم ان هناك بعض الوسائل التي يمكن من خلالها الحصول على المعلومات المتعلقة بالسكان وخصائصهم المختلفة كالمسح بالعينة والاستبيانات والتقديرات السكانية والواقعات الحيوية، إلا ان هذه الطرق لا يمكن بأي حال من الأحوال الركون الى صحتها والثقة بمعطياتها لاسيما عند اتخاذ القرارات المهمة ذات العلاقة بالمرتكزات التنموية .
خطط وبرامج
وكلما توفرت البيانات بدقة وموضوعية وانتظام في دولة ما ، سنحت الفرص للباحثين لدراسة السكان والتنمية، وتصوير التركيب الديموغرافي والتنموي في المجتمع والخصائص المختلفة لإفراده ، فضلاَ عما يتخذ من تلك البيانات كمحددات عند إعداد الاستراتيجيات والخطط والبرامج المتعلقة بعمليات التنمية في جوانبها المتعددة ، فوجود بيانات ديموغرافية دقيقة وشاملة تساهم الى حد كبير في بلورة تصورات ورؤى أكثر اقتراباً من الواقع مما يضمن للباحثين والمخططين صحة التوجهات وسلامة الأهداف المطلوب تحقيقيها والوصول الى نماذج إحصائية مرتبطة بإسقاطات وتنبؤات مستقبلية تفيد في خطط التنمية بجوانبها المتعددة .
وتعاني التعدادات السكانية في بعض الدول من قصور في اكتمالها وعدم دقتها ونقصها وعدم توافق تواريخها ومدلولاتها في بعض الدول لان التعداد السكاني عملية كبيرة تحتاج الى تحشيد كامل للجهود البشرية وإعداد كوادر مهيأة للقيام بها ، فضلا عن توفر ميزانية ضخمة ترصد لهذه التظاهرة التنموية الكبيرة التي غالبا ما تجد ترحابا من قبل الأمم المتحدة ومنظماتها الفرعية المعنية بالسكان والتنمية البشرية ، ويمكن إجمال أهمية التعداد واستخداماته من خلال النقاط الآتية :
أولا - الحصول على بيانات حديثة بشمولية عالية الدقة عن جميع الإفراد داخل القطر وخارجه وفي لحظة زمنية محددة هي لحظة التعداد.
ثانيا – معرفة معدل النمو السكاني السنوي من خلال معرفة عدد السكان السابق واللاحق وتطبيق المعادلات السكانية الخاصة بذلك ، وبعد ذلك معرفة ان كان هذا المعدل يشكل تحديا أمام الموارد الطبيعية المتوفرة . او ان الدولة قادرة على استيعاب أوزان أعلى من السكان .
ثالثا- التوصل الى عدد السكان المستقبلي من خلال استقراء الاتجاهات الديموغرافية ومن ثم التنبؤ (Forecast) بالحجم السكاني للبلد في سنة الهدف، ولا يخفى ما لذلك من أهمية في مجال التخطيط والتنمية.
رابعا -الوقوف على عدد السكان وخصائصهم والمباني والمساكن والأسر على مستوى الوحدات الإدارية والأقاليم ، المحافظة ، القضاء ، الناحية ،القرية .ومن ثم والوقوف على احتياجات كل إقليم من خلال إجراء المقارنات بين الأقاليم .
خامسا - معرفة تيارات الهجرة الخارجية الوافدة الى الدولة والوقوف على مصادرها واتجاهاتها ونتائجها . ولا يخفى ما للموضوع من أهمية لاسيما بالنسبة للدول المستقبلة للهجرة الداخلية ، كذلك معرفة أعداد السكان المهاجرين من الدولة باتجاه الدول الأخرى وخصائصهم المختلفة ومن ثم الوقوف على أسباب ونتائج الهجرة الخارجة من الدولة.
سادسا - معرفة تيارات الهجرة الداخلية التي تحدث بين الوحدات الإدارية بدون اجتياز للحدود السياسية . وبالتالي الوقوف على أسباب الهجرة الداخلية وآثارها على المرافق التنموية وما يمكن ان ينتج عنها من مشاكل بيئية متعددة.
سابعا- معرفة التركيب العمري للسكان أي تقسيم السكان الى فئات عمرية متعددة ، ومن خلال ذلك معرفة الاحتياجات العامة لكل فئة عمرية . فارتفاع نسبة الأعمار دون 15 سنة يتطلب التوسع في إنشاء المدارس وتوفير والنوادي الرياضية والمؤسسات الصحية . كذلك معرفة السكان النشطين اقتصاديا أي القادرين على العمل وحمل السلاح للدفاع عن الوطن .الى جانب معرفة اتجاهات النمو السكاني من خلال معرفة مستويات الخصوبة .
ثامنا – يعد التركيب النوعي للسكان من الأمور المهمة التي يبرزها التعداد السكاني أي النسبة بين أعداد الذكور والإناث ، وبالتالي تقسيم الأنشطة الاقتصادية حسب المؤهلات التي يمتلكها كل جانب .
تاسعا – ولاشك ان التعليم هو الركن الأساسي القادر على خلق وبناء العناصر البشرية المؤهلة لاستغلال الموارد الطبيعية التي لا تكفل تحقيق التنمية بمعزل عن وجود العنصر البشري القادر والمؤهل على استغلال تلك الثروات بالشكل الأمثل مع مراعاة حقوق الأجيال القادمة، ومن هنا فان التعداد السكاني يوفر فرصة مهمة لمعرفة أعداد الملتحقين بمختلف المراحل التعليمية وأعداد المتسربين بغية الوقوف على الأسباب ومعالجة السلبيات التي يعانيها القطاع التعليمي في البلاد.
عاشرا - من خلال التعداد السكاني يمكن معرفة المستوى التعليمي لأفراد المجتمع وبيان نسبة الأمية التي تعد من المشاكل الاجتماعية التي تستوجب المعالجة الموضوعية كونها تعد من اخطر وافتك الأمراض الاجتماعية المعضلة ، وهدرا للموارد البشرية وغالبا ما تصاحبها الكثير من العلل الاجتماعية .
إحدى عشر – تتوفر فرصة مهمة من خلال التعداد السكاني لمعرفة المستوى الاقتصادي للبلد من خلال حصر الموارد البشرية الداخلة لسوق العمل حيث حددت منظمة العمل الدولية (ILO) مفهوم القوى العاملة بأنه يتمثل بالأشخاص المشتغلين بأي نشاط اقتصادي والذين هم في سن معينة من العمر (سن العمل) ويشمل فئات مختلفة من السكانومعرفة أعداد ونسب العاطلين عن العمل ولكلا الجنسين وبالتالي إمكانية معالجة المشاكل الناجمة عن ذلك الى جانب معرفة الأماكن الأكثر انتشار للبطالة بين صفوف السكان
اثار مهمة
اثنا عشر - معرفة التركيب الاقتصادي والمستوى التعليمي لقوة العمل وأنواع المهن والحالة العملية للسكان . ولا يخفى ان لهذه العوامل آثار مهمة في تحديد الإنتاجية . الى جانب معرفة التركيب البيئي للسكان أي سكان الحضر والريف ومن ثم معرفة درجة التحضر وأسباب الهجرة نحو المدن وما ينجم عنها من اثار اقتصادية واجتماعية .
ثلاث عشر – معرفة الأحجام السكانية للأقليات داخل الدولة والخصائص الديموغرافية للأقليات . فضلا عن الأديان الموجودة واللغات والقوميات .
أربع عشر - معرفة الحالة الزواجية للسكان من خلال تقسيمهم الى متزوجون وغير متزوجون وأرامل ومطلقون وبالتالي توفير قاعدة بيانية مهمة للباحثين لاسيما في مجال الدراسات الاجتماعية .
خمسة عشر - إنشاء قاعدة بيانات شاملة عن المباني والمساكن والمنشآت والحائزين الزراعيين والصناعيين ، تستخدم كإطارٍ إحصائيٍٍ للعديد من التعدادات الأخرى والمسوح بالعينة، الى جانب أهمية التعداد في أعداد التقديرات السكانية
ستة عشر - تقييم الأحوال المعيشية للسكان للأغراض البحثية وللاستعمالات التجارية ، ومن ثم ضمان قيـــــام عملية البناء على أسس سليمة ومتينة باستخدام برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية، من خلال قاعدة معلومات حديثة وشاملة عما يتعلق بالحـــــالة المعـــــاشية للـــــــــسكان .
سبعة عشر – للتعداد أهمية اقتصادية كبيرة لاسيما بالنسبة للاستثمار اذ انه بلا أرقام دقيقة لا وجود للاستثمار.
ثمان عشر – للتعداد السكاني أهمية سياسية من خلال توفير منظومة من البيانات التي تستعمل لإغراض الانتخابات وتحديث سجلات الناخبين .أي أن التعداد السكاني العام سيوفر للمفوضية العليا للانتخابات في العراق قاعدة بيانات تجعل من عملية الاقتراع والتصويت في مستوى فني جيد يكون أكثر شمولا للناخبين.
تسع عشر – للتعداد أهمية تنموية كبيرة من خلال عد وحصر البنايات المدرسية والمراكز الصحية والمستشفيات ومن ثم معرفة نصيب الفرد من تلك الخدمات ومقارنة ذلك بالمستويات العالمية والإقليمية ومعرفة مستوى التطور الذي سجله كل مجال .فضلا عن أهمية التعداد في مجال توطين الصناعة وإنشاء المراكز الصناعية في المناطق التي تعاني تخلخلا سكانيا واضحا .
عشرون – التعداد السكاني يوفر فرصة لمعرفة احتياجات البلد للمساكن ومدى صلاحية المساكن الموجودة من خلال معرفة مادة البناء وعمر المسكن وتوفر الخدمات الصحية في المنزل .
إحدى وعشرون – يمكن من خلال التعداد السكاني معرفة الكثافة السكنية بأنواعها المختلفة أي أعداد الأسر داخل الوحدة السكنية الواحدة وحجم الأسرة وسعة المسكن والنسبة بين أعداد المساكن ومساحة المنطقة .
اثنتا وعشرون- تعد السياسة السكانية مكونا مهما من مكونات السياسات الاجتماعية والاقتصادية في أي بلد ومن ثم لا يمكن الحديث عن خطط تنمية ناجحة دون وجود لمثل هذه السياسة المرهونة بنتائج التعداد العام للسكان .
ثلاث وعشرون - وأخيرا فان التعداد السكاني من شانه ان يضع حدا للتخرصات والتقديرات التي لا تمتلك أرضية واقعية والتي يشوبها النقص والعجز والتباين وذلك من شانه ان تكون القرارات السياسية والاقتصادية مبنية على أسس سليمة.