أحاديث خفية
عبد المحسن عباس الوائلي
نفسي تحدثني وتذكرني بأشياء مخيفة وهي محقة بذلك بل صادقة وليس عندي اي دفاع عن نفسي غير رحمة الله.. الهي أكاد أن يصيبني مس من الجنون مخافة من عذابك ولكني اذكر رحمتك فأتنفس بعمق وعمق شديد وهما طبيعة الحياة ودورتها الدائمة، متكيفة مع التجدد والتنوع، فطبيعة الحياة ودورتها الدائمة متكيفة مع التجدد والتنوع..
فالمرأة في جميع حالاتها ومراحل عمرها وادوارها تحاكي الطبيعة وتمثلها في التحول والتبذل والبذل والعطاء ووهب الحياة لأبنائها، فمنها يخرج الرجل وتخرج المرأة كذلك. هكذا يخرجان الى الحياة الرجل والمرأة، من رحم المرأة.. الأم ذاتها، لاهثين وراء ضالتهم الأولى كل منهما يبحث عن الاخر، المرأة تبحث عن ذكرها، والرجل يبحث عن انثاه، ينشد كل منهما صورته في الآخر الذي يشبهه والأكثر قرباً منه وتلبية لحاجاته، وهي حاجات لا تستقيم حياة أي منهما الا بها ولا غنى عن أن تلبي الا من الآخر، فمهما كان الأب حنوناً ومحباً لا يعوض الرجل حب الانثى، الأم، وكذلك مهما كانت الأم مصدراً لأمن المرأة لن تشعر بأن خشونته وقوته تحميانها كأنثى وهي في حضنه يضمها اليه بقوة تطفح حنوا ودفئا، ولا يكون ذلك الحضن حينها الا حضن الذكر- الاب الأقرب منها، والذي لا يخلو لها مطلقا في وجود المرأة- الأم فيبقى شعورها بالأمن والدفء منقوصا ومهددا على الدوام، فتكبر وتكبر معها هذه الصورة مبهمة ومهزوزة وغير محددة، تختلف درجتها باختلاف التأثر بصدمة الفشل الأولى في العلاقة مع الذكر- الأب، وتبقى المرأة في حياتها تنشد الحاجات ذاتها في رجال تحاول أن تقارب صورهم من تلك الصورة الباقية في اعماقها، وبوجود الالم الأول، يبقى للهاجس فيها صوت تسمعه يهددها بوجود انثى اخرى قد تظهر لتشاركها الأمن والدفء ذاتهما أو تسلبهما منها، وفي رحلة الحياة ومن صورة الى أخرى، ومن حضن دافئ الى اخر اكثر دفئا ومحبة، تبقى المرأة تنتقل بين الملامح الى أن تصل الى ذلك اليوم الذي تصبح فيه أماً لذكر منها، شاركها جسدها زمناً وخرج الى الحياة يحمل بعضها من ملامحها، فتجده الأقرب الى تلك الصورة التي لا تزال مستقرة في اعماقها، ليكون هو ذكرها الذي تنشد قربه الأمن والطمأنينة، في نهاية رحلة البحث عنه، فتراه على الدوام رجلا بين ذراعيه، وعلى صدره ضالتها، ولن تكون هناك انثى تشاركه العلاقة ذاتها التي تربطه بها كأم، فتغرقه حباً وحناناً وعاطفة، ولا تسأل مقابلاً على الاطلاق.. ولذلك فالمرأة في علاقتها بالرجل تحاول أن تستشعر ذلك الطفل الذي في داخله، وتستخرج منه ملامح ذلك الزمن وتلك العلاقة التي تلبي حاجتهما، علاقة الأم- الأنثى بالابن الذكر، فتتمثل صورة أمه لتطمئن أنها وحدها ترفل في دفئه وأمانه وحبه، لن تكون هناك أنثى اخرى تهدد مكانتها عنده لوحده العلاقة وتفردها، أما الرجل فيأتي الحياة باحثاً عن الحب والحنان ليجد في حضن الأم (الانثى الأقرب منه) اول سكن ينهم فيه بدفء الحب وتدفق العاطفة، أوليس هو الذكر- الابن صغيراً، ومصدر طمأنينة وامان الانثى- الأم كبيراً، ففيه تحاكي الانثى الطمأنينة والأمان، اللذين كانت تنشدهما منذ الطفولة، أولم تكن انثى صغيرة أيضا قضى مضجعها مشاركة الأنثى- الأم الأخرى حضن الذكر- الأب، فتغدقه من دون مقابل عاطفة وحناناً وحباً، وتهيئه ليكون مصدراً لأمانها مستقبلاً، فيعتاد الأبن- الذكر على حضن أمه، جنة من الدفء وواحة من العاطفة، يرشف منها من دون حساب أو مقابل، وبالقدر الذي يحظى به من اهتمام الأم، تكون ردة فعله وانزعاجه عندما يعي مشاركة الذكر- الأب له في أنثاه، الأم، واستحواذه أيضا على اهتمامها وحبها وعاطفتها، ونيله جانباً من عطائها.
صورة مزدوجة
وهكذا يبقى الرجل متنقلاً بين أنثى وأخرى، لاهثاً من حب الى آخر، يبحث عن امرأة تحمل تلك الصورة مزدوجة الملامح، تحاكي الانثى في اعماقه والأم التي خرج من أعماقها، تشده هذه الملامح حيناً وتدفعه حاجته الى العاطفة الى ملامح الأخرى أحياناً كثيرة، فالرجل في علاقته بالمرأة يحاول دوماً استحضار صورة امه، ليستشعر عطاءها الأول من جديد، ويعود ذلك الطفل محور اهتمام الأنثى وعاطفتها، فقد اعتاد أن يأخذ متناسيا أن التي امامها هي الانثى- الحبيبة، تبحث هي ايضا عن ذكرها الحبيب فيه، وتحتاج الى عطائه ودفئه وللأمان الذي يمنحها اياه، ويؤكده لها بكلمات رقيقة تخترق اعماقها وتترجمه ذبذبات اصابعه عن مسامها، ليجتاح بذلك كل ساحات انوثتها فيذوبا معاً مخلفين لحناً متناغماً من ذاتيهما، فتعود بين ذراعيه تلك الطفلة ببراءتها الأولى تستشعر بقوته ما عهدته من الأب دفئا وحباً وحناناً، ولا يطول الزمن بعدها حتى تدرك أن ذكرها ليست لديه القدرة على الاستمرار في العطاء أو التعبير عن عواطفه ومشاعره، وهو لا يتفهم احتياجها الدائم الى ظله والبقاء قربه.
وهكذا فالرجل والمرأة في الحياة يدوران حول ذاتيهما وحول بعضهما في حلقة مفرغة، يبحثان عن بعضهما ولا يعيان ما يبحثان عنه.
وفي النهاية قد تتفق معي في أننا جميعاً وجدنا لكشف المستور، وسبر اغوار المجهول، والبحث عن أجوبة لتساؤلات ولدت معنا.. الهي أعني على نفسي أن النفس لإمارة بالسوء إلا ما رحم ربي.. الهي فأرحمني برحمتك التي وسعت كل شيء.