الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حكومة الأغلبية لا تعرف المكونات

بواسطة azzaman

حكومة الأغلبية لا تعرف المكونات

ليث شبر

 

حين كنتُ أمينًا عامًا للجنة التوعية الدستورية في رئاسة الوزراء عام 2005، واجهتُ أول اختبار عملي لمفهوم المواطنة. كانت استمارة التعيين تتضمن خانة للديانة والمذهب والقومية. رفضتُ الاستمارة من أساسها، وعدلتها لتقتصر على المؤهلات والخبرة والكفاءة. وعندما وظفتُ ما يقارب الستين موظفًا، لم أسأل أحدًا عن دينه أو قوميته أو مذهبه. النتيجة كانت أن الفريق ضمّ كل مكونات العراق بلا استثناء، واليوم كثير منهم يشغلون مراكز عالية في الدولة. والأهم أنني لم أعيّن قريبًا لي، لا من الدرجة الأولى ولا من البعيدين. كنتُ مقتنعًا أن الدولة لا تُبنى بالقرابة ولا بالهويات الفرعية، بل بالكفاءة فقط.

هذه التجربة الشخصية تلخص جوهر ما أدعو إليه اليوم: أن لا علاقة إطلاقًا للمناصب العليا في الدولة بالمكونات الاجتماعية أو بنسبها العددية، حتى لو شكّل مكون ما تسعين بالمئة من المجتمع.

الدستور واضح.. والأعراف مشوّهة

النص الدستوري العراقي لم يربط المناصب بالانتماءات، بل جعل رئيس الوزراء مرشح الكتلة النيابية الأكبر، ورئيس الجمهورية منتخبًا من البرلمان، ورئيس مجلس النواب بأغلبية أعضائه. لكن العرف السياسي بعد 2003 فرض محاصصة طائفية وقومية حولت العراق إلى نسخة مشوهة من لبنان، حيث تقاسمت الطوائف المناصب والامتيازات على حساب الدولة والمواطن.

حكومة الأغلبية: حكمٌ مقابل مسؤولية

حكومة الأغلبية تعني أن تتشكل السلطة التنفيذية من تحالفٍ برلماني يمتلك النصاب الكافي لتمرير برنامجه، وتبقى المعارضة في موقعها الطبيعي لمراقبة الأداء وتقديم البدائل. هنا تُقاس المسؤولية بما تنجزه الحكومة، لا بما تمثله من مكونات. لا يهم إن كان رئيس الوزراء سنيا أو شيعيا ..كرديا أو عربيا أو تركمانيا .. ولا يهم إن كان الوزراء من طائفة واحدة أو من عشر طوائف، ما دام المعيار هو الكفاءة والقدرة على إدارة الدولة.

حكومة المكونات: غنيمة لا دولة

في المقابل، حكومة المكونات تجعل كل طرف ممثلاً بحقيبة أو أكثر، فيذوب الفرق بين الحاكم والمعارض. فتتحول الدولة إلى غنيمة، والوزارات إلى إقطاعات، وتضيع المسؤولية لأن الجميع شركاء في الحكم والجميع متورطون في الفشل.

الفرق الجوهري

في حكومة الأغلبية: الشرعية تُبنى على البرلمان والبرنامج.

في حكومة المكونات: الشرعية تُبنى على الحصص والهويات.

الأغلبية تنتج حكومةً تُحاسَب ومعارضةً تُراقِب.

المكونات تنتج حكومة للجميع، ومعارضةً غائبة، وفوضى شاملة.

العراق يستحق المواطنة

العراق بلد التنوع مثله مثل باقي البلدان ، لكنه لا يحتاج إلى مناصب تُقسّم على أساس التنوع. فالديمقراطية الحقيقية لا تسأل المرشح: من أي طائفة أنت؟ بل تسأله: ماذا ستفعل؟ وما برنامجك؟ وهل تملك النزاهة والكفاءة؟ وحتى لو كان مكوّن واحد يشكل تسعين بالمئة من المجتمع، فإن المنصب لا يُمنح له بصفته مكونًا، بل بصفته مواطنًا.

توضيح من تجارب العالم

التجارب العالمية تؤكد أن قوة الدولة تأتي من تحييد المناصب عن الهويات:

الهند: رغم تعدد أديانها ولغاتها، لم تُقسَّم مناصبها على أساس المكوّن، بل على أساس التنافس الحزبي، ما جعلها أكبر ديمقراطية في العالم.

ماليزيا: تجاوزت حساسياتها العرقية عبر تحالفات سياسية ببرامج اقتصادية واجتماعية، لا عبر قسمة المناصب.

بلجيكا: جرّبت الديمقراطية التوافقية حتى أصابها الشلل السياسي لسنوات طويلة بسبب الفيتو المتبادل بين الفلامن والوالون.

هذه الأمثلة وغيرها الكثير تُظهر أن الطريق السليم هو حكومة أغلبية سياسية تحكم وتُحاسب، لا حكومة مكونات تُعطّل وتُقسّم.

لقد آن الأوان أن نتجاوز منطق المحاصصة إلى منطق الدولة. أن نعود إلى جوهر النص الدستوري: حكومة أغلبية سياسية تُبنى على الكفاءة والبرنامج، لا على الهوية والحصة. هذا هو الطريق الوحيد لنهضة العراق: دولة مواطنة لا تعرف الطوائف، بل تعرف أبناءها جميعًا.


مشاهدات 45
الكاتب ليث شبر
أضيف 2025/09/15 - 2:47 PM
آخر تحديث 2025/09/16 - 12:27 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 17 الشهر 10817 الكلي 12028690
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/9/16 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير