الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
بين الظن واليقين.. مقاربة قرآنية نبوية وعقلية

بواسطة azzaman

بين الظن واليقين.. مقاربة قرآنية نبوية وعقلية

 رعدهادي جبارة

 

الأمين العام للمجمع القرآني الدولي

 

????خصوصية المفردة القرآنية-46

????المقدمة:

  ثمة أنواعٌ لليقين وردت في القرآن الكريم، وهي بالفعل ثلاث درجات مشهورة عند أهل العلم:

 

1. علم اليقين

2. عين اليقين

3. حق اليقين

 

 وكل واحدة منها وردت في موضع من القرآن الكريم، وإليك الآيات:

 

1️ علم اليقين:

 قال ٲلـلَّـﷻـۂ:

﴿كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ *لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ﴾

[التكاثر: 5-6]

_ المعنى:

"علم اليقين" هو العلم المؤكد الثابت الذي لا شك فيه، أي العلم الذي يحصل بالخبر الصادق أو البرهان.

2️ عين اليقين:

 قال ٲلـلَّـﷻـۂ:

﴿ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ﴾

[التكاثر: 7]

_ المعنى:

"عين اليقين" هو ما يُرى بالبصر بعد أن كان معلوماً بالخبر، أي رؤية الحقيقة عيانًا بعد العلم بها.

3️ حق اليقين

 قال ٲلـلَّـﷻـۂ:

﴿إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ﴾

[الواقعة: 95]

_ المعنى:

"حق اليقين" هو بلوغ أقصى درجات التصديق والمعرفة، أي أن يعاين الإنسان الحقيقة و يذوقها بنفسه، فلا يبقى مجالٌ لأي شك.

 

???? خلاصة الفرق بين الأنواع الثلاثة:

علم اليقين؛            العلم بالشيء عن طريق الخبر أو البرهان

المثال:  أن يُخبرك أحد بأن هناك نارًا

■■عين اليقين:        أن ترى النار بعينك

☆☆المثال:             أن تذهب وتراها أمامك وتنظر لهيبها بأم عينك.

■■■حق اليقين:      أن تضع يدك فيها فتعرف حقيقتها بالتجربة

☆☆☆المثال:          أن تحس بحرّها وتشعر بحرارتها بنفسك.

???? "الظن"في القرآن الكريم ليس دائمًا بمعنى الشكّ أو الوهم، بل يأتي بعدة معانٍ بحسب السياق، وأحيانًا يُراد به اليقين التام، وأحيانًا الشكّ أو التوهم، وأحيانًا الترجيح الغالب.

ويمكننا أن نفصّل ذلك بتأنٍّ مع أمثلة من القرآن:

 

???? أولًا: الظن بمعنى اليقين:أي العلم الجازم، وليس مجرد تخمين.

منه قوله ٲلـلَّـﷻـۂ:

 ﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُوا رَبِّهِمْ﴾

[البقرة: 46]

_ المعنى:

أي يوقنون أنهم ملاقو ربهم، فـ"الظن" هنا بمعنى اليقين الثابت.

 ﴿إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ﴾

[الحاقة: 20]

_ المعنى:

أي أيقنتُ أني ملاقٍ حسابي، ولهذا فرح المؤمن برؤية النتيجة.

فالظن هنا هو يقين الإيمان بلقاء الله.

 

_ قال الزمخشري:

 “الظن في مثل هذا الموضع يقين، لأن ظن المؤمن بلقاء الله لا يلابسه شكّ.”

 

???? ثانيًا: الظن بمعنى الشك أو التوهم؛وهو الظن المتبادر في اللغة، أي الوهم أو التردد.

قال ٲلـلَّـﷻـۂ:

{إن بعض الظن إثم}

[الحجرات:12]

 ﴿إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ﴾

[الجاثية: 32]

_ المعنى:

أي لا نعتقد إلا اعتقادًا ظنيًا غير جازم، أي مجرد شكّ.فهو ظنّ مذموم لأنه لا يقوم على يقين.

???? ثالثًا: الظن بمعنى الرجحان أو غلبة الظن

أي بين اليقين والشك، وهو الأكثر استعمالًا في الأحكام والمعاملات الشرعية.

قال ٲلـلَّـﷻـۂ:

 ﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُوا اللَّهِ﴾

[البقرة: 249]

???? المعنى:

أي يغلب على ظنهم – بل يقينهم القلبي – أنهم ملاقو الله، فغلبة الظن هنا مقرونة بالإيمان القوي.

???? إشارة لطيفة :

قال ابن القيم في "مدارج السالكين":

 "الظن في القرآن جاء على ثلاثة أنحاء:

ظن يقين،

وظن شكّ،

وظن تهمة،

والسياق هو الذي يبيّن المعنى المراد."

????أحاديث نبويةعن اليقين:

اليقين سبيل النجاة:

قال رسول الله ﷺ وآله: "صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين، ويهلك آخرُها بالبخل والأمل".

اليقين في الصلاة:

"إذا شَكَّ أَحَدُكُمْ في صَلَاتِهِ فَلْيُلْقِ الشَّكَّ، وَلْيَبْنِ عَلَى الْيَقِينِ، فَإِذَا اسْتَيْقَنَ التَّمَامَ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ".

اليقين والتوكل:

"هُمُ الَّذِينَ لاَ يَرْقُونَ، وَلاَ يَسْتَرْقُونَ، وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ".

اليقين وتخفيف المصائب:

"اللهم ارزقني من اليقين ما تُهَوِّنُ به عليَّ مصائبَ الدنيا".

اليقين والعافية:

"سلوا الله اليقين و المعافاة، فما أوتي أحدٌ بعد اليقين خيرًا من العافية".

اليقين سبب للراحة والسعادة:

"فإنَّ الله بَعْدِله وقِسْطِه جعل الرَّوْح والفَرَح في الرّضَا واليَقِين، وجعل الهَمَّ والحُزْنَ فى الشَكِّ والسخط"

صدق رسول الله ص.

????في منهج أهل البيت ع:

الإمام علي ع:

 «لا تَظُنَنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ أَحَدٍ سُوءاً، وَأَنتَ تَجِدُ لَهَا فِي الْخَيْرِ مُحْتَمَلاً مَحْمُولاً»

هذاالقول البليغ يشير إلى أن الظنّ قد يكون سوءًا إذا أسرع الإنسان إلى تفسير لفظ صدر عن شخص بشيء سييّء، مع أنه قد يُحتمل خيراً.[نهج البلاغة].

 

وقال الامام علي ع أيضاً في «غرر نهج البلاغة»:

 «إذا استولى الصلاح على الزمان وأهله ثم أساء رجلٌ الظنّ برجل لم تَظْهر منه حوبة فَقَدْ ظَلَمَ، وإذا استولى الفساد على الزمان وأهله فأحسن رجلٌ الظنّ برجل فَقَدْ غَرَّرَ»

بمعنى أنه في زمن غلبة الفساد،فإن الظنّ الحسن قد يغترّ به المرء، ولكن في زمن شيوع الخير بين غالبية الناس؛قد يعتبر الظنّ السيّئ بالناس ظلماً.

وأيضًا من أقواله ع:

 «فَإِنَّ الْبُخْلَ وَ الْجُبْنَ وَ الْحِرْصَ غَرَائِزُ شَتَّى يَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ».

هنا يربط عليه السلام بين سوء الظن بالله و صفات النفس الخبيثة.

كما أن الإمام علي عليه السلام يقول:

 «ما كان من أمر مَعاد من الظن فهو ظنّ يقين، وما كان من أمر الدنيا فهو ظنّ شكّ»

أي أنه في المسائل الغيبية (أمور الآخرة والمعاد) قد يُراد به ظن يقيني، أما في الأمور الدنيوية فهو غالباً ظنّ شكّ.

هذه الأقوال تدل على أن الإمام علياً عليه السلام يعترف بأن الظن قد يكون حسنًا أو سيئًا، وقد يُراد به ما هو أقوى من مجرد التخمين العادي، حسب المقام و السياق.

ورد في بحار الأنوار حديث عن الإمام الهادي (ع):

 «إذا كان زمان العدل فيه أغلب من الجور، فحرام أن تظنّ بأحد سوءاً حتى يُعلم ذلك منه، وإذا كان زمان الجور فيه أغلب من العدل فليس لأحد أن يظنّ بأحد خيراً حتى يبدو ذلك منه

هذا يبيّن أن في الأوقات العادية يُنهى عن الظنّ السيئ، وفي الأزمنة التي يسود فيها الفساد يُحثّ على التحقق والتثبّت قبل إظهار الظنّ الحسن أو السيئ.

من رواية للإمام الصادق ع أيضاً:

 «إذا اتّهم المؤمن أخاه، اِنماث الإيمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء»

أي أن الظنّ السيئ يذيب الإيمان ، فله أثر كبير ومدمّر على النفس والعقيدة والمجتمع.

  ????في تفسير الميزان (العلامة الطباطبائي)

يقول في تفسيره لهذه الآية:

 {وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ۖ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} (النجم:28)

في هذا الموضع يوضّح السيد الطباطبائي أن الظن هو “التصديق الراجح” وليس بالضرورة العلم القطعي؛ أي أن الظنّ عندهم هو اعتقاد مرجّح، وليس يقينًا مطلقًا.

????هناك تحذير من الظنّ السيئ في كلمات أهل البيت وفي الروايات، وذمّ لما يسبّبه من تدمير للإيمان والنية و العلاقات الاجتماعية.

???? في أقوال الامام علي عليه السلام يُبيَّن أن الظن قد يكون حسنًا وقد يكون مذمومًا، وأن الإنسان ينبغي أن يترجّح الخير على السيّئ ما أمكن.

????يتبع????


مشاهدات 45
الكاتب  رعدهادي جبارة
أضيف 2025/11/08 - 1:21 PM
آخر تحديث 2025/11/09 - 1:12 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 40 الشهر 5779 الكلي 12367282
الوقت الآن
الأحد 2025/11/9 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير