أحاديث في الخفاء وغياب لايرحم
هدير الجبوري
ثمّة أحاديث لا تُقال، تُروى في الخفاء، تُهمس في الظلّ، لا يسمعها أحد... سوى الغياب.وفي الزوايا المنسية من الروح، حيث لا يصل الضوء ولا يعرف الطريق أحد، هناك وجع خافت، يتنفس بصمت، ويسكن في الأعماق كأنفاس لا تنقطع. هو ذاك الاشتياق الموجع… الصامت… الذي لا يُفهم، ولا يُقال، ولا يُحتمل.
تتحدث إليه عشرات المرات كل يوم سراً . تكلمه كأنك تراه، كأنك تحفظ ملامحه حتى في العتمة. تشكو له ما يرهقك، تكتب له وكأن شيئاً في داخلك يهمس لظله. حديثك الطويل لا يسمعه سواك، ودمعتك التي تنهمر في الخفاء لا يدركها أحد.
تتأمل صورته طويلاً… تتوقف عندها كأنك تجد فيها وطناً. تحدّق بها علّك تقرأ ملامح الحنين، تبحث فيها عن نبض يشبهك، عن نظرة تشبه لهفتك.
لكنه لا يعلم. لا يعلم أنك تقف على عتبة صورته كل ليلة وكأنك تطرق باباً لا يُفتح. لا يعلم أنك ما زلت تحفظ نبرة صوته، تفاصيل ضحكته، وكل شيء عنه.
تكتب إليه عشرات الرسائل في السر… ولا ترسلها. تكتب كأنك تحادث صدى من حضوره، كأنك ترجوه أن يشعر بك، أن يرى في حروفك وجعك. تنهمر دمعتك وأنت تكتب، وكأنك تظن للحظة أنه يراك، يسمعك، يقترب منك رغم البعد.
هو فيك. يسكنك. يشغل فكرك طول الوقت وكأنه يعيش داخلك، يتنفسك، يتسلل إلى كل لحظة تمر بك. تبحث عنه في كلماته وكتبه، في أخباره، في الصور، في أي شيء منه إليك. لعلك تجد إشارة، نبضة، أو حتى بقايا حنين.
أليس مؤلماً أن تشتاق لأحدهم وهو لا يشعر بك؟ أن تعيشه في كل تفاصيلك، وهم لايعلم من ذلك شئ..أن يكون غيابه عاصفة، وغيابك عنه مجرد طقس عابر.. الاشتياق الصامت موجع. لا يُرى، لا يُسمع، لا يُلمس.
وجع ولهفة لا تُحتضن، وبكاءٌ تُخفيه عن الجميع.تبكي وحدك، تشتاق وحدك، وتكتب وحدك، وتُهزم في كل مرة وحدك. ولأن شيئاً فيك ما زال معلقاً به… تحادثه سراً، دون أن تقترب.تكتفي بأن تهمس له من بعيد،فبعض الأرواح حين تشتاق، لا تحتاج إلى صوت..