أعداء قبل الإنتخابات وأصدقاء بعد الفوز

مجيد الكفائي

في كل دورة انتخابية يمرّ بها العراق، يتكرر مشهد سياسي بات مألوفًا لدى الشارع: خصومات حادة، خطابات نارية، وتنافس يبدو أنه سيستمر لسنوات طويلة. لكن ما إن تُعلن النتائج، حتى تنقلب الصورة تمامًا، ليتحوّل الخصوم إلى شركاء، والأعداء إلى حلفاء جدد. هذه التحولات السريعة جعلت الكثيرين يرون أن السياسة العراقية تُدار بمنطق “الكوميديا السوداء”، حيث تتجمّع التناقضات في مساحة واحدة دون صدمة أو استغراب.

يدرك العراقيون أن عدداً من المواقف السياسية قبل الانتخابات هو جزء من معركة إعلامية أكثر من كونه تعبيرًا عن خلافات حقيقية. فمع تغير الأرقام وتوزيع المقاعد، تتغير الأولويات، وتُعاد الحسابات بطريقة تجعل التحالفات الجديدة تبدو وكأنها نتيجة طبيعية وليست امتدادًا لخطابات حادة كانت تُبث قبل أسابيع فقط. هذه الظاهرة تركت أثرًا واضحًا على ثقة الناخب الذي بات يرى أن كثيرًا من الوعود لم تكن سوى أدوات لجذب الأصوات، لا التزامات طويلة الأمد.

وتزداد المفارقة وضوحًا حين يتابع المواطن التصريحات المتوترة قبل الانتخابات، ثم يشاهد المصافحات الودية بعدها مباشرة. وخلف هذه المشاهد تتشكل لقاءات واتفاقات تُكتب تفاصيلها بعيدًا عن الأضواء، في وقت ينشغل فيه الجمهور في متابعة الصراعات الكلامية التي سرعان ما تتبخر. لذلك تحولت هذه الظاهرة إلى مادة دائمة للسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يتداول المواطنون مشاهد وتعليقات تنتقد تقلبات المواقف وازدواجية التصريحات.

ومع تكرار هذا النمط، يشعر جزء كبير من العراقيين بأن أصواتهم لا تُترجم دائمًا إلى تغيير فعلي، بل إلى صفقات سياسية لا تمتّ بصلة للبرامج التي رُوّج لها قبل الانتخابات. ومع ذلك، لا يزال الأمل موجودًا بأن تتطور العملية السياسية نحو أكثر شفافية واستقرارًا، خاصة مع صعود جيل جديد من الشباب يمتلك نظرة مختلفة ويتطلع إلى ممارسات سياسية أكثر وضوحًا وانسجامًا مع الوعود المعلنة.

وبالرغم من صعوبة المشهد وتعقيداته، يبقى حلم بناء مشهد سياسي ناضج قائمًا، مشهد يُقدّم المصلحة العامة على التحاصص، ويجعل التحالفات مبنية على البرامج لا على اللحظات الطارئة. وحتى يتحقق ذلك، ستظل “الكوميديا السوداء” عنوانًا معبّرًا عن مفارقات السياسة في العراق، وعن أحلام مواطنيه الذين ينتظرون يومًا تصبح فيه المواقف ثابتة، والخطابات صادقة، والتحالفات انعكاسًا لمبادئ لا لمكاسب مؤقتة.