هند العميد في قصة سخرية
الشكل اللغوي والتعبيري
أياد النصيري
عندما تقرأ نصا شعريا او قصة قصيرة لأي أديب يأخذك اولا أسلوبه وتراكيبه اللغوية كي تحس وتشعر انك معه تسير خطوة خطوة-وعندما تقرأ لقاصة قرأت لها مسبقا تقف متأملا في متن نصها الجديد--واول مايستهويك هو العنوان-ثم الفكرة هنا ينتابك الشعور والإحساس بأن الفكرة قد راقت لك عليك البدء بالقراءة المتأنيةكي تكتب عن عما يدور بداخلك عن تلك القصة وتبرز معالم جمالها والغوص في ثنايا الفكرة والسرد والتعرف والتقرب على شخوصها وبطلها-
الكتابة عن أديبٍة بحجم (هند العميد)مُربكة قليلاً أو ربما كثيراً ، مما وضعني في موقفٍ حرجٍ من نفسي وترددت حينها لإتساع معنى الكاتبة (هند) وضيق عبارتي فروائية وقاصة مثلهُا متعددةالأساليبِ والطرقِ التعبيرية وفسيحة المجالاتِ يحتاج أدبهاالى دراسة وبحث علميين دقيقين أمينين ومن أكادميين متخصِّصين ليُوَّفى بعض من حقهِا لا إلى كلام قليل عابرٍ لإيماني بقيمة كاتبة مكافحة وعصامية تركَت بصمتهُا على أدبنا المحلي ، وبأن خيرَ من يقيمُّ (هند العميد) أدبهُا نفسهُ ، روايتها(فرح) ، قصصها القصيرة-والقصيرة جدا-،حسُّهاُ النقدي في بعض ومضاتها-- لوحاتها الادبية--،سخريتهُا المرة ،عصاميتهُا الفذة ، وطعمُ قصصهِا المراوغة والمراوحة بينَ الأدب الإجتماعي أو السياسي الملتزم والمفارقة الساخرة المنتقاة بعناية فائقة كحجر الزاوية ، وفوقها تلتئمُ مداميك البراعة الفنية واللغوية بعد هذا كله، ربما من الأفضل القول:أن القاصة (هند العميد) أنها تكتب القصة ولا تسأل كيف ولماذا؟ .. ومع ذلك نحن أمام جهد مخلص جاد من القاصة تسعى لان تضع اسمها فى ميدان تلك اللعوب المسماة قصة قصيرة فهي تحمل في حد ذاتها غواية خاصة بحكم حجمها المراوغ. ليس هذا الملمح الكمي وحده، يحدد لمفهومها.. هناك قصر الحدث، والتكثيف الفني والدلالي، مما يستدعي قدرات خاصة أيضا في توظيف آليات قص تحمل المتلقي إلى عوالم قصصية حقيقية من خلال الرؤية السردية.. بإيحاءات رمزية وتداعيات إنسانية لها بعدها التاريخي والاجتماعي والثقافي والقيمى.. ويبقى أن الأهم هو مدى قدرتها على خلق العمق الأدبي الذي يعطي للعمل قيمته الإبداعية- القصة هي الوحيدة القادرة على محاكاة العالم وفي الوقت نفسه محو فضاءاته وسخافاته، فهي الأقدر على التسرب والتوغل عميقا في ذات المتلقي والتأثير فيه بل تدفعه حنكة القاصة المبدعة إلى المشاركة في أحداث القصة وصياغة قصصها الخاصة.. وهو ما يدفع البعض لكتابتها مخافة أن تخنقه الصرخة التي بداخله هي قصة قصيرة لكنها كبيرة الفعل، مداها رحب، وسيع من الداخل المحكي صوب الحكي الخارجي حيث تسلط عدستها على كل شاردة طريفة تستقيم من خلالها الرؤية الواقعية التي يتوق المتن الحكائي إلى عرضها وبسطها للقارئ . والرؤية هنا برغم استنادها إلى مواصفات الفضاء النوعي الذي يستدعي جغرافية المكان الواقعي كشرط أساسي، عبر توظيف ثيمة ( المدرسة) ذات الملمح التربوي المتميّزفي (اجتماع اولياء أمور الطلبة)، فهي لم تسقط في الطابع التسجيلي المباشر الذي قد يقع في خشبة مسرح المدرسة من منطلق تغليب العرض الوصفي على المحكي الخيالي وإذا ما تفحصنا البنية المكانية المؤطـــرة للمادة السردية وجدناها موسومة بالتنوع والاختلاف مندرجة ضمن رؤية فكرية غير مخطط لها تنم عن منظور حضاري للكاتبة إزاء عناصر مساهمة في استــثمار الحياة : المجتمع / الإنسان / الكون .. أماكن متراكبة الأبعاد متعددة الدلالات وهي المدرسة- القاعة-الجمهور-خشبة المسرح ولعلّ مقدرة الكاتبة(هند) في تصوير تلك اللقطة ساعة اعتلاء البدين سلم خشبة مسرح المدرسة هي اللحظة الحاسمة التي ارادت بها (هند )ان تنهي تلك القهقهات والابتسامات والحد من السخرية لبطلها اعطته القدرة والشجاعة على حفظ الانسجام في تقمّص الطالب البدين لشخصية والده و في تعامله مع الفضاء بأبعاده المكانية والزمانية والشعورية وهو الدليل على قدرته الفائقة على الإمساك بمكبرة الصوت والانفلات من يد المعلمة وتطويع المعلمة لحرية الرأي وهي تقبله حيث ليبين المعنى الحقيقي لارتداء البذلة ذات الاكمام الطويلة والعريضة التي جعلت البعض من اولياء امور الطلبة يطلق كلمات سخرية جاء الرد بصوت البدين اليوم اجمتعتم من أجل أبنائكم. إلا أنَّ أبي قد تخلَّف عن الحضور. وقد لبستُ بدلته لكي أنوب عنه بحضوري بينكم.))
صرخَ أحد الحاضرين ساخراً:
- قد يكون ذهب ليجلب لكَ وليمة تُشبعك أيُّها السمين.
وبين مُعترضٍ من سخرية الرجل، وبين مبرر لمزحتهِ بأنها ملاطفة لا أكثر، لم تختفِ ضحكات من هنا وهناك لقولهِ ذاك. ليجيبهُ الطفل وهو مختنق العبرات:
((لا يا سيدي! أبي ذهبَ شهيداً مُدافعِاً عنكَ. لتحضر اجتماع ابنكَ، ولتسخر من ابنهِ السمين.
هذه الخاتمة التي اخرست الضحكات وربما تحولت الى دموع في مآقي البعض هي من جعلت السخرية ان تسدل ستار التعليقات اوالقهقهات والضحكات ان تكون لوحة ممزوجة من بطولة ودماء واستشهاد لاجل ان يبتسم الوطن ويفتخربأبنائه
سخرية
ممرٌ طويل. على يسار آخرهِ قاعة اجتماع لأولياء أمور الطلبة الحاضرين للتواصل مع إدارة المدرسة. صُفَّتْ مقاعدهم بشكلٍ متوالٍ. يُقابلون خشبة مسرح متواضعة الصُنع، ليعتليها أحد أعضاء الهيئة التدريسية لإلقاء كلمةٍ أو لتوجيه ما.
كان الهدوء والنِظام يعمَّان المكان قبل أنْ يدخل عليهم (الأبله السمين) - كما كان يطلق عليه أقرانه - الذي لم يستطع أحد نُكران ذكائه، وما يمتلـــــكه من سرعة بديهة تكبر عمره. لتنفجر ضحكات الحاضرين بشكلٍ هستيري لما بدا عليه ذلكَ الطالب من مظهرٍ غريب وهو يرتدي بدلة رسمية، وربطة عنقٍ لكبير (ما) عمراً وحجماً، لتزيد الأكمام طولاً على يديه بشكلٍ ملحوظٍ. وقد تكون محاولتهِ جذب بنطالهِ للأعلى قاصد التقصير، اكثر ما استفز سُخرية الجميع منه.
دخل متوجِّهاً لاعتلاء خشبة المسرح تلك. وكأنها ساتر جبهة، لرفعه هامته بمبالغة عفوية. صعد السلالم وكأنه يتسلَّق قمَّة جبلٍ وهو يسابق رئتيه الصغيرتين على أنفاسٍ تكفي مهمته. توسَّط الخشبة بوقفتهِ، وراح يقفز محاولاً نيل مكبر الصوت. هرولتْ إليهِ مُعلمته الجميلة، وهي تنتقي قفزاتها بخطواتٍ محسوبة، حرصاً على موازنة كعب حِذائها العالي من الالتواء أو التلف. قبَّلتهُ قُبلةً قد تكون محسوبة سلفاً لتفادي الموقف، لتهمََ بإنزاله من على ظهر تلك الخشبة، لكن إصراره المُتعجرف تارةً، وتوسلهُ الطفولي المُنكسِر تارةً أُخرى، جعلها تعدِل عن قرارها لتمنحهُ فرصة نيلِ مكبر الصوت، والبوح بما يُريد. راحت وجنتاه تفور دماً كزهرتين حمراوين. انتظر لبرهة عسى أنْ يكفُّوا عن ضحكاتهم ليبدأ... وأخيراً قال:
- اليوم اجمتعتم من أجل أبنائكم. إلا أنَّ أبي قد تخلَّف عن الحضور. وقد لبستُ بدلته لكي أنوب عنه بحضوري بينكم.
صرخَ أحد الحاضرين ساخراً:
- قد يكون ذهب ليجلب لكَ وليمة تُشبعك أيُّها السمين.
وبين مُعترضٍ من سخرية الرجل، وبين مبرر لمزحتهِ بأنها ملاطفة لا أكثر، لم تختفِ ضحكات من هنا وهناك لقولهِ ذاك. ليجيبهُ الطفل وهو مختنق العبرات:
- لا يا سيدي! أبي ذهبَ شهيداً مُدافعِاً عنكَ. لتحضر اجتماع ابنكَ، ولتسخر من ابنهِ السمين.