جفّت ضمائركم تبكي الساهر والشابندر يكّرم سعدون جابر .. العراق والسعودية (بين ثقافتين)
فاضل البدراني
رحلة ثريّة امتزجت فيها التجارب الحسيّة والسمعية والبصريّة وبأجواءٍ في غاية الدفء أنعشت روحية الزائر ودفعته إلى التفاعل والاستمتاع بتجربة ثقافية عراقية سعودية صممت ضمن عنوان « بين ثقافتين» ربما يكون مستفزا أو محببا للقاريء والمتابع له، وقد يكون هناك حديث ورأي واستراتيجية أعمق من ذلك لاختياره.
ذهبت الى العاصمة السعودية الرياض ضمن وفد ثقافي ممثلا عن وزارة الثقافة والسياحة والآثار للمشاركة في فعاليات مهرجان» بين ثقافتين» الذي عقد هناك وأستمر من 18-31 كانون الأول 2024اندمجت فيه الثقافة العراقية – السعودية جغرافيا، وتجاوزت الحدود المثبتة بينهما، وتغلبت على كل عقبات الاندماج، فالناي والمزمار والموسيقى والجوبي واللحن العذب والأزياء، والماديات وغير الماديات التراثية والتاريخية والفنون التشكيلية والاكسسوارات، والمحاضرات الثقافية، إذ طاف المبدعون والفنانون والشعراء والتراثيون والموسيقيون والأكاديميون العراقيون والسعوديون في سفر التاريخ، وتجول الحضور في أزقة وأسوق وحارات الزبير من التجار النجديين عندما كانت البصرة قبلة الرحالة والتجار والمسافرين، تاريخ صنعه سكان المناطق العراقية السعودية عبر آلية التجارة، وحيث تتجول تطربك كلمات الشعراء العراقيون عندما تدخل في مختبر اللحن العراقي السعودي بأشكاله المتعددة الذوق.
بوليفارد الرياض الذي أشرفت على اقامته وزارة الثقافة السعودية بتنسيق متقن مع مؤسسات وفعاليات وزارة الثقافة والسياحة والآثار بالعراق، كان الوعاء والمساحة المبهرة بأناقة معالمه، تضمن إقامة فعاليات وأعمال فنية متنوعة لمهرجان» بين ثقافتين» لأكثر من 100 مبدع وفنان عراقي سعودي، إذ أستوحى هناك شارع المتنبي أبرز معالم بغداد ثقافيا فكريا، وعلقت قصائد الشاعر المتنبي، ومقهى الشابندر مدرسة الثقافة العميقة والشاي المهيل، وعزف الموسيقى قرب متاجر المكتبات والتراثيات والقهوة العراقية السعودية والأكلات وأطباق تراثية في رغبة لتوأمة ثقافية تراثية تاريخية بين السعودية والعراق، ومحاولة جادة لاستكشاف الثقافة العراقية وعلاماتها الإبداعية المميزة، كونها رسالة إنسانية تقدم بإسم العراق.
عمل ثقافي
مهرجان « بين ثقافتين» الذي أقيم في ميقا أستوديو ببوليفارد سيتي بالرياض، يعد العمل الثقافي الأكبر لوزارة الثقافة السعودية لعام 2024 أحتفى بالثقافة العراقية واستكشف أوجه نقاط التشابه والالتقاء مع الثقافة السعودية، كما ركز على الروابط التأريخية المشتركة للبلدين الشقيقين، ودور التجار النجديون في سوق الزبير وطريق زبيدة للحج قديما، ومحاولات أحياء ذلك بما يتناسب والحياة العصرية.
فعاليات المهرجان دشنت بحفل غنائي كبير للقيصر كاظم الساهر بكى فيه عندما غنى «جفت ضمائركم» وأبتسم مع أغنية « يا ساكنة حيينا «، ثم توالت الفعاليات، ومنها مشاركة نصير شمه في أمسية قدم خلالها إبداعات موسيقية، وصدح صوت سعدون جابر في مقهى الشابندر، وكرم بجائزة وزارة الثقافة السعودية، ومن لطيف ما سمعته من الجمهور، تعلمنا من سعدون جابر عذوبة الغناء العربي.
عرفت الثقافة بأنها الديبلوماسية الناعمة، وأن مجال انعاشها يستند الى مساحة السلام والأمن والأمان عندما تتوافر، وفرصة النهوض بها يعتمد على القدرة الإدارية والرغبة الإبداعية في النهوض بها عبر مختلف مجالاتها وفنونها.
ألق الماضي
وأن الأهم ما يتصل بجوهر عمل الثقافة، هو أن تستنهض الهمم، وتغوص بأعماق التاريخ، وتنبش في جذوره الإيجابية لتعيد للحاضر ألق الماضي من تراث وماديات وفكر وحضارات، وأن تنعش الثقافة بتوجهاتها ذاكرة الناس جميعا بالوعي والتعاون والتعايش المشترك مع الأشقاء والأصدقاء، وصناعة الحياة بصورة أجمل.