معرض إستعادي للسعدون بموسكو.. التعبيرية الإنسانية العراقية في 130 عملاً
بغداد - علي إبراهـيم الدليمي
بالتعاون المثمر بين البيت الروسي في العراق وأكاديمية سيرغي أندرياكا، احتضنت إحدى القاعات الفنية البارزة في موسكو مؤخرا معرضا استعاديا ضخما للفنان العراقي صفاء السعدون. ضم المعرض أكثر من مائة وثلاثين عملاً فنيا بأحجام متنوعة، تراوحت بين اللوحات الكبيرة واللوحات الصغيرة، كل منها مستلهم من موضوع خاص. وقد شهد الافتتاح حضورا نخبويا لافتا من الفنانين والنقاد ووسائل الإعلام، ما يعكس الأهمية الفنية لهذا الحدث. ونظرا للإقبال الكبير، تم طلب نقل سبعون لوحة من المعرض لعرضها في مدينة قازان ضمن مهرجان فني كبير أُقيم فيها، مما يؤكد على الصدى الواسع لتجربة السعدون الفنية.
استلهم المعرض موضوعاته بشكل أساسي من التعبيرية الإنسانية العراقية، والتي تظهر بوضوح في قدرته على تجسيد مشاعر الألم والمعاناة. كما ضم المعرض لوحات انطباعية تتناول مواضيع محلية مثل منطقة أهوار العراق، بالإضافة إلى لوحات انطباعية مستوحاة من الجغرافية الروسية الخلابة. وقد خصص السعدون جزءا من أعماله للبورتريه، حيث يُبرز مهارته في التقاط أدق التفاصيل في الوجوه.
وتتجه التعبيرية في لوحات السعدون نحو مسارين رئيسيين يعكسان رؤيته الفنية العميقة: *التعبيرية السوداء: تُجسد هذه التعبيرية الألم الوجداني العميق، والحزن الكبير، والمعاناة الإنسانية المستمرة التي غالبا ما تكون جزءا من حياة العراقيين.
*التعبيرية الخضراء :تحاكي هذه التعبيرية حب الفقراء، ورومانسية القرويين والبسطاء من الناس. ورغم بساطتها الظاهرة، إلا أنها لا تخلو من حزن شفاف يلامس الوجدان، فالتعبير عن الألم والحزن وإظهار بواطن النفس البشرية يُعد من أهم مقومات التعبيرية، ويظهر ذلك بوضوح في مجموعته المميزة «زهرة وسلمان».
تميزت تجربة السعدون بجرأة ضربات فرشاته القاسية، التي تبدو وكأنها تسحب الألوان في جميع الاتجاهات، لخلق عنفوان لوني ومساحات شاسعة تحتضن كثافات لونية ولمسات مدروسة بعناية فائقة. يهدف هذا الأسلوب إلى تحقيق نشوة ونضوج في الصورة النهائية بجمالها الأبهى. تأثر السعدون بـ «الفن الواقعي التعبيري الروسي» الذي كان له تأثير مباشر على مسيرته الفنية بشكل عام، وحتى على أحجام لوحاته الكبيرة التي يفضلها.
وتعتبر هذه الضربات الفنية والنشوة العارمة نتاج ممارسة أكاديمية وفكرية مترابطة. فقد ساعدته ظروفه التدريسية التي امتهنها في كلية فنون بابل قبل تقاعده (برغبته) على تقديم أعمال أكاديمية بارعة. تشهد هذه الأعمال على إمكانياته الفنية الكبيرة والطويلة في فن البورتريه، والانطباعية، والتخطيطات باستخدام خامات متنوعة. يرى السعدون أن أستاذ الجامعة يجب أن يكون معلما وقدوة، تماما مثل أساتذته الرواد الكبار مثل «فائق حسن، وحافظ الدروبي، وكاظم حيدر»، وغيرهم. أما خارج الدرس الأكاديمي، فهو يميل بشدة إلى التعبيرية والواقعية التعبيرية، مما يُبرز مرونته الفنية وتنوع اهتماماته.
سيرة في سطور
الفنان البروفيسور صفاء السعدون، من مواليد عام 1958 في بابل، العراق. حصل على بكالوريوس الفنون الجميلة/ رسم من جامعة بغداد عام 1986، ثم نال درجة الماجستير في الفنون الجميلة/ رسم من جامعة كوبان الحكومية بالاتحاد الروسي عام 1997. أكمل دراسته العليا بحصوله على درجة دكتوراه الفلسفة من جامعة موسكو عام 2004.
يعد عضوا فاعلا في نقابة الفنانين العراقيين وجمعية التشكيليين العراقيين. عمل أستاذا لفن الرسم في جامعة بابل/ كلية الفنون الجميلة خلال الفترة من 2004 إلى 2024. شغل منصب رئيس قسم التربية الفنية في كلية فنون بابل ورئيس قسم الفنون التشكيلية من 2009 إلى 2011. ترأس العديد من اللجان وكان عضوا في لجان مناقشة للعديد من الرسائل والأطاريح، كما أشرف على عدد كبير منها.
أقام عدة ندوات ومحاضرات وورش عمل عن فن الرسم وتجربته الخاصة، بالإضافة إلى محاضرات عن الفن الروسي، ما يعكس شغفه بنقل المعرفة الفنية. كما ترجم العديد من المقالات المتعلقة بالفن الروسي. لديه خمسة معارض شخصية، بالإضافة إلى مشاركات عديدة في معارض داخل وخارج العراق. اقتُنيت أعماله في عدة دول أوربية وعربية، مما يدل على تقدير عالمي لفنه.
في عام 2022، كتبت رسالة ماجستير عن تجربته الفنية بعنوان: (الأبعاد الإنسانية في رسوم صفاء السعدون). لم يقتصر إبداعه على الرسم فحسب، فقد صمم ونفذ ديكور تسع مسرحيات، وفاز بجائزة أفضل ديكور مسرحي في العراق عام 1992 عن مسرحية (الردهة رقم 6) للكاتب الروسي أنطون تشيخوف. حصل على عدة جوائز وأوسمة مرموقة، منها: الجائزة الأولى لمهرجان الفن التشكيلي في النجف الأشرف عام 2005. ووسام الإبداع عام 2020. وجائزة الإبداع في مهرجان بابل الدولي عام 2022.