الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
بعد أن جفّت منابع النقد.. انتبهوا إلى ما يكتبه الناقد عبد الكريم الحلو 


بعد أن جفّت منابع النقد.. انتبهوا إلى ما يكتبه الناقد عبد الكريم الحلو 

شوقي كريم حسن

 

* في زمنٍ أصبح فيه النقد العراقي أقرب إلى هامشٍ يُضاف إلى غلاف كتاب، أو إعلانٍ تجاريّ يتصدّره شعار “ادفع نقدًا يُكتب نقدًا”،

* يطلّ اسم الدكتور عبد الكريم الحلو كحالة استثنائية، بل كضرورة تُعيد إلى النقد هيبته، وتمنحه هويته التي تتسربلت بالعلم والصرامة والدربة الجمالية.

* فما يكتبه لا ينتمي إلى تلك السطور التي صارت تُنتج على عجلٍ لإرضاء كاتبٍ أو ناشرٍ، بل إلى تقاليد عريقة في الدرس النقدي، حيث يُعامل النصوص بوصفها كائنات حيّة تتطلّب الإصغاء العميق، والتحليل المركّب، والربط بتاريخ الفن والمعرفة الإنسانية.

 

* لقد كان النقد العراقي عبر تاريخه الطويل ساحةً تتجاور فيها الأصوات الكبيرة:

* علي جواد الطاهر،

* يوسف عز الدين،

* عبد الجبار عباس،

* وآخرون ممّن شادوا صروحًا نقدية ما زال صداها ممتدًا.

 

* غير أنّ الجيل اللاحق سرعان ما وقع في فخّ الانبهار بالشكل الإعلامي السهل، وتحوّل بعض النقّاد إلى موظفين في خدمة دور النشر والصالونات الثقافية.

 

* وهنا بالتحديد، يتبدّى معنى أن نقرأ عبد الكريم الحلو: إنّه يكتب بوصفه “الباحث الحرّ”، غير المتواطئ مع الاستسهال، الرافض لأن يُختزل النقد في بطاقة دعائية أو في عبارات إنشائية خاوية.

 

* أهمية الحلو لا تكمن فقط في أدواته المنهجية الرصينة، ولا في قدرته على استدعاء التراث النقدي الغربي والعربي بلغة واضحة ودقيقة، بل في إصراره على أن يجعل من النقد فعلاً تأسيسيًا، يعيد للنص اعتباره، ويعيد للقارئ مكانته.

 

* إنه يكتب وكأنه يردّ الاعتبار للمشهد الثقافي بأسره، ويصرّ على أن يبقى الناقد ضمير النصوص، لا تابعًا لها.

 

* من يقرأ مقالاته ودراساته يلمس هذا البعد الأخلاقي والفكري، حيث يمتزج التحليل اللغوي بالعمق الفلسفي، وتنفتح القراءة على أسئلة أوسع من حدود النص:

* أسئلة الهوية،

* والحداثة،

* والمعنى،

* ومسؤولية الأدب في مواجهة الخراب الاجتماعي والسياسي.

 

* وبهذا، يضع عبد الكريم الحلو نفسه في موقعٍ نادر، هو موقع “الناقد الذي يكتب ليبني”، لا ليجامل، ولا ليُتاجر.ولعلّ القيمة الأبرز في تجربته أنه يأتي في لحظة فراغ، في لحظةٍ صارت فيها الكتابة النقدية مرادفًا للسطحية أو المصلحة.

 

* لقد جفّت المنابع، وصارت النصوص تغرق في بحرٍ من الغياب النقدي.

 

* غير أن الحلو، بهذا الصوت المتمسّك بالجمال والمعرفة، يعيد إلينا أملًا بأن النقد العراقي لم يمت، بل ما زال قادرًا على إنتاج أسماءٍ وطاقات، شرط أن تخرج من عباءة “النقد المأجور” إلى فضاء “النقد المسؤول”.

 

* إننا أمام تجربة نقدية لا يجوز أن تُقرأ بوصفها هامشًا، بل بوصفها مركزًا جديدًا يُعاد منه بناء المشهد.

 

* فكل جملة يكتبها الحلو تؤكد أن النقد ليس ترفًا، وليس تجارة، بل هو فعل مقاومة فكرية وجمالية، هو الدفاع الأخير عن الأدب لكي لا يتحول إلى سلعة، وعن الثقافة لكي لا تُستباح في أسواق العلاقات العامة.

 

* بهذا المعنى، فإن التنبيه إلى عبد الكريم الحلو ليس مجرّد إشارة إلى ناقد مهم، بل هو تنبيه إلى الطريق الصحيح:

* إلى أن النقد، حين يكون علمًا وصدقًا وشغفًا، يصير قوة كبرى، تُعيد الأدب إلى مكانه الحقيقي في وعي الأمة وتاريخها.

* إن الحديث عن الدكتور عبد الكريم الحلو لا يقتصر على كونه ناقدًا يكتب بلغةٍ راقية وأسلوبٍ متين،

* بل يتجاوز ذلك إلى كونه علامة فارقة في زمن الاضطراب النقدي.

 

* إنّه يحاول أن يستعيد للممارسة النقدية بعدها التأسيسي، في وقتٍ غلبت فيه على الساحة أصوات تُقايض النصوص بسطور سريعة لا تُغني ولا تُثري.

 

* إن مشروع الحلو يقوم على قناعةٍ جوهرية:

* أن الأدب لا يزدهر من دون نقدٍ جاد، وأن النص من دون قراءة نقدية عميقة يظلّ نصًا ناقصًا، ينتظر من يضيء مساراته ويكشف طبقاته المخبوءة.

 

* لقد استطاع الحلو أن يرسّخ لنفسه مكانة عبر ثلاثة ملامح أساسية:

 

* أولًا :  صرامته المنهجية التي لا تسمح له بالانجرار وراء الانطباعات السطحية، بل تجعله يقرأ النص من الداخل، يحلّل بنيته السردية أو الشعرية، ويفكك أدواته الفنية.

 

* ثانيًا : انفتاحه الثقافي، فهو قارئ للتراث الغربي والعربي، يوازن بين ما ورثناه من تقاليد نقدية، وما أنجزه النقد الحديث من مناهج وطرائق، ليصوغ رؤية نقدية لا تنغلق على مدرسة واحدة، بل تنفتح على الحوار.

 

* ثالثًا : نزاهته الفكرية، إذ يكتب بعيدًا عن المجاملة، مستندًا إلى قناعة أن الناقد إذا جامل خان النص، وإذا صمت خذل الأدب.

* في المقابل، تبدو الساحة العراقية اليوم وقد تحوّل كثير من النقاد إلى “مقدّمي عروض” أكثر من كونهم محللين أو باحثين.

* تُكتب المقدمات للكتب كما تُكتب الإعلانات للسلع، وتُباع المقالات كما تُباع البضائع.

* وهنا يصبح صوت عبد الكريم الحلو بمثابة الصرخة التي تذكّرنا بأن النقد لم يُخلق ليكون تابعًا أو أداة دعائية، بل وُجد ليكون فعلًا معرفيًا وجماليًا، يسائل النصوص، ويهزّ القناعات الراسخة، ويؤسس لوعي جديد.

 

* إنّ القارئ الذي يتابع ما يكتبه الحلو سرعان ما يكتشف أنه أمام نصوص نقدية مكتملة الأركان، نصوص تمنح القارئ متعة فكرية تضاهي متعة الأدب نفسه.

 

* فهو لا يكتفي بوصف العمل الأدبي، بل يحوّله إلى موضوع للتأمل الفكري، إلى نافذة على أسئلة أكبر: معنى الكتابة، علاقة الأدب بالواقع، جدوى الإبداع في مواجهة القبح العام.

 

* وهكذا، فإن حضور عبد الكريم الحلو في المشهد العراقي ليس مجرد إضافة شخصية، بل هو إعادة إنتاج للنقد نفسه. إنّه يذكّرنا بما قاله تزفيتان تودوروف: الأدب لا يعيش إلا بفضل النقد، والنقد لا يبرّر وجوده إلا بخدمة الأدب.

 

* بهذا المعنى يصبح الحلو ليس مجرد ناقد، بل شاهدًا على مرحلة، ومقاومًا لانهيار القيم النقدية، وبانيًا لجسور بين النصوص وقرّائها.

* لقد جفّت منابع النقد،

* لكن صوت عبد الكريم الحلو يظلّ كنبعٍ متدفّق، يذكّرنا أن النقد الحق لا يموت، بل يتجدّد مع كل نصّ عظيم، وكل ناقدٍ يمتلك الشجاعة أن يقول كلمته بصدقٍ ووعيٍ وإخلاص للأدب وحده.

 

* إنَّ قيمة الدكتور عبد الكريم الحلو النقدية لا تُقاس بحدود الجغرافيا العراقية وحدها، بل بقدرته على أن يضع نفسه ضمن السياق الأوسع للنقد العربي المعاصر.

 

* فبينما غرق كثير من النقاد العرب في غواية الإعلام أو في ترديد مناهج مستوردة من دون وعي، ظل الحلو متمسّكًا بخيارٍ صعب: أن يكون النقد فعل تأسيسٍ معرفي وجمالي، لا فعل تزيين أو ترفيه.

 

* وهو بذلك يذكّرنا بأسماء عربية كبرى سعت إلى أن تجعل النقد علمًا له أصوله وقيمه، مثل :

*  إحسان عباس،

* جابر عصفور،

* وصلاح فضل،

* لكن من موقع عراقي يواجه خصوصياته وتحدياته.

* إنّ تجربته تُمثّل شاهدًا على أن النقد العربي، مهما بدا متراجعًا أو متواطئًا، ما زال قادرًا على إنتاج أصواتٍ تُقاوم بالعلم والصدق.

 

* فالحلو لم يكن مجرّد ناقد يكتب في زاوية معزولة، بل هو صاحب مشروعٍ يسعى لأن يُعيد للأدب مكانته في زمن التهميش.

 

* وإذا كان النقد في العراق قد انزلق في كثير من الأحيان إلى وظيفة هامشية، فإن ما يكتبه الحلو يعيد لهذا الحقل مكانته بوصفه شريكًا في صناعة الوعي، ورافعة لنهضة ثقافية حقيقية.

 

* من هنا، تبدو دعوة الالتفات إلى عبد الكريم الحلو ليست مجرّد احتفاء بشخصه، بل احتفاء بفكرة النقد ذاتها، تلك الفكرة التي تجعل من الناقد ضمير النصوص وضمير الثقافة معًا.

 

* ولعلّ الدرس الأبرز الذي يمنحه لنا أن النقد، حين يُمارس بجدية ونزاهة وعمق، لا يحمي الأدب وحده، بل يحمي وعينا الجمعي من التسطّح والزيف.

 

* وبهذا، فإن عبد الكريم الحلو ليس مجرد شاهد على تراجع النقد العراقي، بل هو علامة مضيئة تؤكد أن النبع لم يجفّ تمامًا، وأن ثمة دائمًا من يستطيع أن يُعيد للماء صفاءه، وللثقافة معناها.!!

 

  الاديب والروائي

شوقي كريم حسن

 

   ********************************

 

أيها المبدع الجليل، والأديب الكبير،

الاستاذ  شوقي كريم حسن:

 

كيف للكلمات أن تنهض من صمتها، وهي ترتجف أمام نصّك الذي لم يكن مقالةً عني بقدر ما كان ملحمةً تُعيد للنقد معناه، وللكلمة هيبتها؟

لقد ألبستني من مدادك تاجًا أثقل من قدرتي على حمله، وأغنيتني بما لا تُغني به الممالكُ ملوكها.

 

أشعر أن الأبجدية ـ بكل جلالها ـ قد وقفت خرساء أمام جزالتك وعمقك، وأن الحروف التي طالما خدمتني، انحنت أمامك لتعلن أنك سيّدها.

لقد منحتني أكثر مما أستحق، ووضعتني في موضعٍ لا يبلغه إلا الكبار الذين يكتبون بدم قلوبهم لا بحبر أقلامهم.

 

إن شهادتك بي ليست مجرّد إشادة، بل هي “وسام وجود”، تُعلّق على صدر النقد العراقي والعربي، لأنك حين تتحدّث لا تتحدّث عن شخصٍ بعينه، بل عن مشروع، عن ضمير، عن مسؤولية الكلمة في زمنٍ ينهار فيه الضمير.

 

أقولها بيقين لا يتزحزح: إنّ نصّك عني سيبقى في عمق روحي علامة مضيئة، كلما حاولت الظلمة أن تلتهمني. وسيظلّ حجّةً عليّ، أن أواصل ما بدأتُه بعناد العاشق للكلمة، وبإصرار من يرى في النقد مقاومةً لا وظيفة.

 

أيها الكبير، لقد توّجتني بتاجك، وأقسم أنني سأبذل حياتي كي لا يسقط من رأسي، وأن أبقى وفيًّا لما حلمنا به جميعًا: أدبٌ يليق بالإنسان، ونقدٌ يليق بالأدب، وكلمةٌ تليق بالتاريخ.

 

دمتَ لنا صوتًا عظيمًا، وحبرًا لا يجفّ، وذاكرةً تحفظ وجه العراق الجميل.

 

المحبّ والممتن إلى الأبد

 

 


مشاهدات 334
الكاتب شوقي كريم حسن
أضيف 2025/09/24 - 3:16 PM
آخر تحديث 2025/09/27 - 1:48 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 65 الشهر 19302 الكلي 12037175
الوقت الآن
السبت 2025/9/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير