فاتح عبد السلام
تلقيت رسائل عتب واستفسار من أصدقاء من متابعي ما أكتب في هذا العمود ، بشأن كلامي أمس عن عدم وجود أي علامات لتغيير النظام السياسي في العراق من الطرف الأمريكي بوصفه هو مؤسسُه الأول منذ العام2003، ولمست من رسائلهم لوماً يشبه كما لو اننّي كنت قد قلت انّ العملية السياسية في العراق غير فاشلة أو انّ النظام السياسي برمته غير فاسد. لكن يبدو انّ سقف الأماني بهبوب رياح التغيير وبناء دولة المواطنة بشكل حقيقي ارتفع لدى العراقيين بشكل مفاجئ بعد النهاية المأساوية التي صار عليها محور المقاومة الإيراني في لبنان وقطاع غزة والتغيير الجوهري في سوريا.
في كل الأحوال، هناك سؤال عالق من دون إجابات، بل انّه يبدو خارج اهتمامات الطبقات السياسية المتكلسة، يخص مستقبل الهوية السياسية في العراق استناداً الى هذا الموروث الثقيل في خلال عقدين من التخبط والفساد والحفر عميقاً في كل الجزيئات التقسيمية ليس للتراب الوطني وانما لمفاهيم قادرة على النمو فوق وحدة هذا التراب.
استغرق أقطاب العملية السياسية في المضي داخل دهاليز منغلقة من التطمينات الوهمية في انّ الأحوال العراقية الصحيحة بلغت نصابها الفعلي الملبي للطموحات، في حين انّ كلّ شيء مبني على توافقات داخلية مصالحية ينخرها الفساد والضغائن، ولا يربطها ذلك الدستور المركون أو عقد اجتماعي ناظم.
لقد راهنوا على الزمن طويلاً واسترخوا في فيء المناصب والمغانم والمكاسب، في حين انّ هناك جانباً مأساوياً من الممكن أن نرى منه ملف المعتقلين والمغيبين من دون محاكمات أو ضحايا المخبر السريّ الذي تحكم بمصائر عشرات الألوف من العراقيين طوال عشرين سنة. لعلّ من الوجه المظلم والأسود تلك الوعود الانتخابية التي كان يطلقها الزعماء السياسيون بطريقة دعائية فجة ولم يكن لها أي تطبيق من خلال المشاريع أو التشريعات، وسرقت من سياق الزمن اعمار جيل او جيلين.
العملية السياسية في كل التعريفاتهي حالة ظرفية توافقية عابرة، يجب أن تؤسس لما هو قارّ وثابت في البناء السياسي للبلد أو أن تنتهي بالتبدد المأساوي، كما قامت ذات يوم على أنقاض مرحلة سابقة منهارة.