الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
من بغداد إلى طشقند.. البرج الذي غير وجهته بعد الإنقلاب

بواسطة azzaman

من بغداد إلى طشقند.. البرج الذي غير وجهته بعد الإنقلاب

أحمد جاسم الزبيدي

 

في قلب طشقند، يعلو شامخًا برج التلفزيون بارتفاع 375 مترًا، ليكون أعلى بناء في آسيا الوسطى وواحدًا من أعلى الأبراج في العالم. لكنه ليس مجرد صرح هندسي أو مَعلم سياحي، بل يحمل في طيّاته قصة خفية، تتشابك فيها السياسة بالهندسة، والآمال المنهوبة بالمشاريع المؤجلة.

ما لا يعرفه كثيرون هو أن هذا البرج الذي أصبح رمزًا عمرانيًا لجمهورية أوزبكستان المستقلة، كان من المفترض أن يُشاد في بغداد، عاصمة العراق، في أواخر الخمسينيات، حين كانت العلاقات بين العراق والاتحاد السوفيتي تشهد ازدهارًا ملحوظًا بعد ثورة 14 تموز 1958.

مشروع برج بغداد المؤجل

بحسب شهادات متفرقة لمهندسين سوفييت سابقين، وبعض الوثائق غير المنشورة، فإن مخططًا أوليًا لإنشاء برج تلفزيوني في بغداد قد وُضع من قبل خبراء روس بالتعاون مع الحكومة العراقية آنذاك. وقد جرى إعداد جزء من المواد والتجهيزات الخاصة به، واستند الاختيار على معايير هندسية وفنية، منها حاجة العراق لبنية تحتية إعلامية متقدمة، والطابع الحداثي للعاصمة العراقية في ذلك الزمن.

لكن الرياح السياسية لا تسير كما يشتهي المهندسون. فقد جاء انقلاب 8 شباط 1963 الذي أطاح بالحكم الجمهوري بقيادة عبد الكريم قاسم، وتلاه تغيّر حاد في سياسة العراق الخارجية، وانفتاحه على الغرب، وانقطاع تدريجي في العلاقات مع موسكو.

الكرملين لم ينسَ. ولم يلغِ المشروع تمامًا، بل قام بتجميده لسنوات، قبل أن تبدأ الدوائر السوفيتية بالبحث عن موقع بديل، يتمتع بمواصفات مناخية وطوبوغرافية قريبة من بغداد، لتُستثمر المواد والتصاميم التي تم تجهيزها مسبقًا.

طشقند: البديل الأنسب

في منتصف السبعينيات، وبعد زلزال مدمر ضرب طشقند عام 1966، برزت الحاجة إلى مشروع رمزي يُعيد للعاصمة هيبتها الحديثة. فوقع الاختيار على طشقند، ليس فقط لموقعها الجغرافي وقربها المناخي من العراق، بل أيضًا لأنها كانت آنذاك في قلب استراتيجية الاتحاد السوفيتي لتعزيز حضوره في آسيا الوسطى.

هكذا، أُعيد تصميم المشروع بما يتلاءم مع طبيعة المنطقة، وبدأ البناء عام 1978، ليُنجز في عام 1985، ويُصبح أحد رموز العمارة السوفيتية المتأخرة، وواحدًا من معالم طشقند الأكثر شهرة حتى اليوم.

هل هي مجرد مصادفة؟

قد يعتبر البعض هذه القصة من قبيل الروايات السياسية غير الموثقة، لكن كثرة الإشارات التي وردت في مقالات ومذكرات قدامى المهندسين، ومطابقة بعض خصائص البرج لاحتياجات مناخ بغداد، تثير الشكوك بأن برج طشقند قد وُلد من رحم مشروع عراقي أُجهض في مهده.

وإذا كان التاريخ لا يرحم الشعوب الصغيرة حين تتنازعها الانقلابات، فإن العمارة، بخلاف السياسة، تحتفظ بذاكرتها في الخرسانة والحديد، وتُدوّن الحكايات التي لم تُكتَب على الورق.

خاتمة

بين بغداد وطشقند، لا يفصلنا الزمن فقط، بل الخرائط السياسية أيضًا. ومع ذلك، تبقى هذه الحكاية درسًا في كيف يمكن لمشروع عمراني أن يتحوّل من رمز صاعد إلى فرصة ضائعة، بسبب انقلاب، أو تغير في التحالفات. ولو شاء القدر، لكان “برج بغداد” اليوم يناطح سماء العاصمة، بدلًا من أن يكتفي العراقيون بتأمله من بعيد... في طشقند.


مشاهدات 66
الكاتب أحمد جاسم الزبيدي
أضيف 2025/08/22 - 10:23 PM
آخر تحديث 2025/08/23 - 1:51 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 62 الشهر 16154 الكلي 11411240
الوقت الآن
السبت 2025/8/23 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير