حديث عابر

حاكم الشمري

في حديث عابر مع صديق يعمل في أحد أهم المرافق الأمنية في العراق، سألته: ما الذي يقلقك أكثر؟ فابتسم بمرارة وقال: قائمة الأزمات لا تنتهي الكهرباء، المياه، الحدود، المخدرات، الفساد، الجريمة، السكن العشوائي، تذبذب الدولار، سوء التعليم، الكذب وعدم الإنصاف، البطالة، تلوث البيئة... ثم صمت وكأن الكلمات أثقل من أن تُقال.

هذه الإجابة ليست مجرد انطباع شخصي، بل تعبير عن قلق جمعي يعيشه العراقيون يومياً. فما بين تقلبات الاقتصاد، وغياب الخدمات الأساسية، وتحديات الأمن والمجتمع، يقف المواطن أمام مشهد معقد يحتاج إلى حلول عاجلة واستراتيجيات بعيدة فالكهرباء والمياه ما زالت معضلة الكهرباء تراوح مكانها منذ عقود، فيما تتفاقم أزمة المياه بفعل شحّ الموارد وسوء الإدارة.والحدود الرخوة جعلت من العراق ممراً ومقراً لتهريب المخدرات، مما أفرز تحدياً أمنياً وصحياً والفساد المستشري ينهش جسد الدولة، والجريمة المنظمة تتغذى على ضعف الردع.

 وملايين العراقيين يعيشون في مساكن غير نظامية، فيما البطالة تحاصر الشباب وتدفع بعضهم إلى الهجرة أو الانحراف.وتذبذب الدولار وسوء التعليم وتقلب سعر الصرف يرهق السوق والمواطن، في حين يتراجع التعليم أمام مناهج قديمة وبُنى تحتية متهالكة.وتلوث الهواء والماء، إلى جانب انتشار الكذب وفقدان الإنصاف في التعاملات، كلها عوامل تهدد الثقة بين الناس والدولة.

لا يكفي تشخيص الداء من دون وصف الدواء. العراق بحاجة إلى مسار إصلاحي متكامل يقوم على إرادة سياسية جادة ومحاربة الفساد ليست شعاراً بل منظومة قوانين ورقابة صارمة.

وإصلاح اقتصادي يعتمد على تنويع مصادر الدخل، ودعم الصناعة والزراعة، والحد من الاعتماد على النفط وحده والاستثمار في مشاريع الكهرباء والمياه عبر شراكات حقيقية مع القطاع الخاص.

وتقوية الجهد الاستخباري والتعاون الإقليمي لوقف نزيف المخدرات والتهريب.

وتحديث المناهج، وتدريب الكوادر، وبناء مدارس وجامعات بمستوى عالمي.

وتمكين الشباب من تقديم برامج تشغيل ودعم للمشاريع الصغيرة، وفتح الأبواب أمام الابتكار والتكنولوجيا وفرض قوانين للحد من التلوث وتشجيع الطاقة المتجددة.

وترسيخ قيم الإنصاف والمواطنة، ليشعر المواطن أن القانون يحميه لا يخذله.

ما قاله صديقي ليس مجرد انشغال موظف أمني، بل صرخة وطنية تُلخّص أوجاع العراقيين. لكنّ تحويل الأزمات إلى فرص يبدأ من لحظة الاعتراف بالخلل، ثم السير بخطوات عملية نحو الإصلاح. فالعراق، بتاريخ حضارته وطاقات شبابه، يستحق أن ينهض من جديد، بعيداً عن الدوائر المغلقة للأزمات؟