هَوِّن عليك...ولاتهون
"إلى ولدي الحبيب علي وجيه"
وجيه عباس
----------------
الشعرُ يورقُ في يديك خصيبا
فتكادُ تنسجُ بالقوافي ثوبا
هي سترُ كعبتِكَ التي طافت بها
وَرَأتْك في أركانِها مربوبا
لم تتَّخِذْ صَنَماً لتسجدَ دونه
أو تنطِقَنَّ بحمدِهِ ترهيبا
يكفيكَ أنْ كانتْ سماكَ مَواطِناً
عَقُمتْ بها أنْ تَدَّريكَ نجيبا
تلك العوالي في خُطاكَ سليبةٌ
وَأُجِلُّ وَحْيَكَ أنْ يكونَ سليبا
دَعْ للثرى ما للثرى، فَمَهيْلُها
ماتحت نعلِكَ يستطيلُ رحيبا
لِسواكَ تلك الأرضُ، لستَ بمالِكٍ
شبراً، ولكنْ جنَّةً ودروبا
كُنْها، فما وَطَأتْ خُطاك حقيقةٌ
آثرتَ أن تحيا بها مصلوبا
*****
ماذا يضيرُكَ أنْ جُهِلتَ وطالما
كان الغريبُ عن العيونِ غريبا
ما أنتَ فيهم، غير أنَّكَ أمَّةٌ
صِدْقٌ، وغربتُهُ تراك ربيبا
وَلَأنْتَ فيما تدَّعيهِ مفازةٌ
لايستطيلُ لها الشجاعُ وثوبا
فردٌ بِجَمْعِهُمُ هناك وأنَّهم
متفرِّقون على اليقينِ ندوبا
وَلَأنْتَ أطهرُ إذْ يداك بما هُمُ
إلا حبيباً يستظلُّ حبيبا
وَتَعزَّ أن تبقى البعيدَ أصابعاً
فسواكَ بالإذلالِ كان قريبا
أَيَضرُّ أنْ جَهَلتْكَ فيما تدَّعي
تلك الأباعرُ تستزيدُ هبوبا
المدَّعونَ فخارَهم بضلالةٍ
والمالئون من الفراغِ جيوبا
كانوا الشمالَ إذا رأيتَ وجوهَهم
ولانت وحدَك كنتَ فيكَ جنوبا
*****
أَلِهذِهِ الدنيا خُلِقتَ وإنَّما
كانت لك الأخرى هنالك بُوبا
ولَأنْتَ أقربُ للطيوبِ فلم تكنْ
لتبيعَ بالدنيا هناك نصيبا
وقضى عليك اللهُ كنتَ مُجالداً
وتمرُّ بالأدنى بها مغلوبا
ورضيتَ أكبرَ محنةٍ بقضائِها
لتلوذ منها في الحياةِ هروبا
ابصرتَها قِيَماً تُهانُ، وقسمةً
ضيزى، يعود بها الحليمُ مريبا
شَرَفٌ يُعابُ بأنَّهُ اضحوكةٌ
والعيبُ فيها أنْ تكونَ كئيبا
والعارُ فيها أن تكونَ مُحدَّثاً
والعُيُّ فيها أن تكونَ خطيبا
اغمضْ بها عينيكَ عن جُثَثٍ بها
لاتستفيقُ على لظاك لهيبا
وَأُجِلُّ نعلَكَ وهي تأبى أنْ ترى
هاماتِهم عند القياسِ ركوبا
يَتَقلَّبونَ على الجباهِ كأنَّهم
موتى، فلست ترى هناك دبيبا
وَهُمُ بها الأوثانُ تُنكرُ راكعاً
أو ساجداً دون التراب خضيبا
وَلَأنْتَ فيهم كالمسيحِ وحسبُهم
جعلوا بك النسيانَ فيكَ صليبا
*****
هَوِّنْ عليكَ ولا تهونُ فطالما
كان السقامُ بخافقيكَ طبيبا
طحنَ اللُبانِ وكنت بين ضلوعِهِ
قَلَقاً سيأبى رجعةً لتتوبا
آمنت؟بلْ كفرتٌ أصابِعُك التي
مُدَّتْ إليك لتستحيل نيوبا
ورآكَ أطيبَ مضغةٍ إذا لاكَها
لكنْ صبرتَ بمضغتيهِ غَضوبا
هل كنتَ أوَّلَ عارفٍ جَهِلوا به
معنى التفقُّهِ في الأنامِ حسيبا
أو كنتَ فيما تدَّعيهِ ضلالةً
جَهَلوهُ حتى أفردوه حريبا
لوكنتَ تصطفق الكؤوس ثمالةً
لغدوتَ فيهم غارماً شِرِّيبا
وَثَبَتَّ أن تهوى بهزِّ أَكُفِّهِم
يتقاذفون بك الكُوى غِربيبا
ولأنت أكبرُ من نوافذهم بها
حتى بقيتَ وغادروك ثقوبا
*****
يامُستَفَزَّ الصبرِ يخضبُ بالدما
عَطَشَ الثيابِ ولم يجدْ مشروبا
وَمُوكَّلاً بالسائرين على الثرى
ندباً يودِّعُهُم وينثرُ طيبا
وكانَّهُ الموكولُ دون وداعِهم
ألا يغيبَ بوجههم محبوبا
ميتاً يُودِّعُ ميِّتاً وكأنَّما
اشتعلا وذابا في الترابِ غروبا
ماكنتَ توسعُ من تشاءُ بدمعةٍ
إلا الذي آمنتَ فيهِ مجيبا
وسواهُ أسرابٌ هناك بِعُميِهِ
ألا يراكَ على المدى موهوبا
*****
طينٌ أصابِعُكَ التي لاتنتهي
كُنها بحسبِكَ في الخيالِ شعوبا
كُنْ ماءَها وانفخْ هناك بروحِها
أوقد بداجية القيامِ حروبا
دعها بما ضمتْ هناك ثيابُها
ولأنتَ وحدك كنتها مرهوبا
لاتنظُرنَّ إلى البُغاثِ فطيرُها
لايستطيلُ إلى سماك وثوبا
وَبِأيِّها ستريكَ عِظْمَ هوامشٍ
كانت بمتنِكَ في الكتابِ ذنوبا
وَبِأنَّها كانت غِضاباً جَمَّةً
وأراك وحدك دونها مغضوبا
وَبِأنَّكَ السكبتْ يداهَ معارجاً
ووجدت رحلَكَ دونهم منهوبا
الناهبون بها تراثَكَ أنَّهم
عميٌ فلست ترى بهم مصحوبا
والغارمون دماً خساراً دونهم
والمدَّعون بها دماً مسكوبا
والحاملون على العواتق سوأةً
لا يسترون بوزرهم محجوبا
ماذا تريدُ من الغلاةِ هدايةً
وَأَضلُّهم لايفقهون قلوبا
أَتسيلُ من عَرَقِ الجباهِ ضمائرٌ
لِتُقطِّرَ الأضغانَ فيك عريبا
أَيُبدِّلون جلودَهم وثيابَهم
أو يخلعون لك النفوس وجوبا
أتريدُ مجداً كاذباً في أمَّةٍ
خلعت ثياب المجد عنك ضريبا
ورَأتك أبخس بيعةٍ في ربحِها
فتنازلت عن أصغريك حطيبا
يكفيكَ أنْ سيمرُّ بعدك واحدٌ
بعد الزمان فيصطفيك أديبا
سيراك أضخمَ من سواك مهابةً
ويراك فيها زاهداً مهيوبا
سيقولُ نجمٌ مارأته عيونُهم
أغشى بهم مُقَلاً وكانت حُوبا
ويقولُ حُرٌّ كان يعلمُ أنَّهُ
سيعودُ يحطبُ ذكرَهم منسوبا
*****
دعهم لهذي الريح إنَّك مفردٌ
وثياب جلدك أفردتك مهيبا
إن اولغوا بدم القلوب فإنهم
كانوا بحسبك ظِنَّةً ورقيبا
أَلِمثلِهم وحصادُ روحِك عِترةٌ
أرخصتَ غاليها بها مندوبا
فلإنَّك الصوتُ الذي لم يستكن
والخوفُ أتخمهم هناك جديبا
ولأنت أروعُ إذْ تسيلُ قصائدا
وعجائبا قد افردتك طروبا
وراوك أوسعَ ماتفيضُ مكارماً
نبحوا عليك شتائما وعيوبا
*****
ياحاملاً فوضى عصاه بكفه
وكأنَّه موسى يقومُ تريبا
كان الكليمَ وليس يُسمعُ دونه
إلا عصاهُ وحسب تلك مجيبا
والعجلُ بضعةُ أوجهٍ بقبورها
تسعى بهم او تستزيد كثيبا
ويهشُّ بالمعنى عصاه ليتَّقي
ألا يعود به الصدى مكذوبا
يكفيهِ أنَّ الله أوجد عالماً
في مسمعيه يقولُه تهذيبا
ويعيدُهُ وكأنَّهُ متلذِّذٌ
مما أفاض على الحروف طيوبا
*****
أنا ذرَّةٌ من لطفِ عالمك الذي
خبر الوجود به فكان لبيبا
أبكى وأضحك، بين تلك وهذه
جمعَ النقائض فاستطال عجيبا
هو نطفة علقت برحم وجوده
فأبان عنها رقَّةً ووجيبا
يكفيهِ أن نطقت به الدنيا صدى
وسواه يخلد في الثرى مغصوبا
لكنهم شتموه دون ثغائهم
والعيب أن نظروهُ فيهم ذيبا
عرفوه "عنترةً" يذود عن الحمى
لكنهم قالوا به "شيبوبا"
ضاعت مقاييس هناك بحسبهم
فتشابهوا بجهالةٍ اسلوبا
*****
تعبت بك الدنيا التي أتعبتها
حتى كانَّكَ لم تكن متعوبا
وكأنَّ "يوسفها" هناك مفارقٌ
والدمعُ يرسمُ دونه "يعقوبا"
وسقيتها من ناظريك تلاوةً
فتكاد تغرقها المدامعُ كوبا
واستنزفتك فما تغورُ سقايةً
أبقيت بوحَكَ دونها مكتوبا
لم تَتَّضع والشعرُ يشهد أنَّه
بك قد تجلاهُ به يعسوبا
وكأن جرحك لن يصيب مَقاتِلاً
ويُقالَ جنحٌ في سماك أُصيبا
لكن أبيت وأنت أوسعُ قِربةٍ
ألا يكون بضرعه محلوبا
وكأنَّما خلصوا بروحِكَ أمَّةً
قد كنت فيما أخلصوهُ نقيبا