في ضـــوء الأربــعيــــن
سعد البيتنكس
(المشهد الأول: الفاجعة)
يا كربلاءُ... وكم على ثراكِ من سكاكينْ
ما عاد يُحزِننا البكاءُ... يُخيفنا اليقينْ
هذا الحسينُ... يمدّ قامتهُ على رمحٍ من التكوينْ
ويداهُ تبكيان في الخفاءِ على جراح الياسمينْ
والنهرُ يحتضرُ... ويعصرُ ماءهُ حزنًا على العباسِ، والأفقُ الحزينْ
يا كربلاءُ... الليلُ لا يرضى بأن يغفو، ولا فجرٌ يلينْ
كلُّ الدماءِ... تصيرُ آياتٍ... وتُتلى في الجبينْ
والخيلُ تعبرُ دونَ خوفٍ... فوق أضلاعِ الحسينْ
فاهتزَّ عرشُ اللهِ، وانشقّت صحائفُ المطمئنينْ
(المشهد الثاني: المسير)
يا زينبَ الكبرى، أيا صبرَ النبيّينْ
من أيِّ وادٍ جئتِ؟ أم من نهرِ بوحٍ لا يلينْ؟
أحرقتِ بالصوتِ المدى، والآنَ تمضينَ الرهينْ
وسيوفُهم تَعدُ الخطى، وحبالُهم في القلبِ طينْ
كلُّ الضلوعِ تسيرُ معكِ، وكلُّ أعينِنا تُعينْ
يا قافلةَ النورِ التي لم تنحني رغمَ الحنينْ
يا خيمةَ المعنى التي صارتْ خريطةَ الذاكرينْ
قولي لهم: ما ماتَ من عشقَ اليقينْ
(المشهد الثالث: الزحف المبارك الأربعين)
يا زاحفينَ إلى الحسينِ على تعبْ، فوق الترابِ... وخلفَهُ لهبْ
هذا الطريقُ النورُ فيهِ من السماءِ قد انسكبْ
خطاكمُ نغمٌ يُصلّي في الضلوعِ إذا اقتربْ
أرواحكم تَركضْ، وجمرُ الحُبِّ في القلبِ اشتعلْ
من كاظمةَ إلى كربٍ، ألفُ جرحٍ قد نزلْ
لكنّكم حُراسُ عهدِ اللهِ، والموعدُ لم يَزَلْ
كأنما الأرواحُ تمشي نحو أصلٍ لم يَزَلْ
كأنما الحسينُ بانتظارِ خطاكمُ... خلفَ الأجلْ
(المشهد الرابع: البقاء والخلود)
الحسينُ... ليس اسمًا في الدفاترِ ينطوي
هو سورةٌ... فيها البقاءُ، وفي الدموعِ تُروى القلوبُ
هو سيفُ آدمَ إذ بكى، ونبوءةُ الأنبياءِ إن دعوا، ومُصطفىً لم يرتَوِ
الحسينُ... كلُّ المعاني حينَ تتبعُ في السكونِ تَجلِّي
هو باطنُ النورِ، وسرُّ النَّداءِ، ومن نَدى العرشِ يُروى
وإن سُئلتَ: من مات؟ قل لهم: من أجلِه نَحيا ونُروى
وإن قيلَ: من هذا الزمان؟ فقل: زمانُ مَن لا يُطوى
وإن سألوا: مَن أنتم؟ فقل:نحنُ من مشى... والحسينُ الهُدى.