الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
واشنطن تراهن على كُردستان وأربيل في قلب السياسة الدولية؟

بواسطة azzaman

واشنطن تراهن على كُردستان وأربيل في قلب السياسة الدولية؟

آريان ابراهيم شوكت

 

يشكّل افتتاح القنصلية الأمريكية في أربيل تحولاً لافتاً في مسار السياسة الأمريكية داخل العراق، ليس فقط بوصفه توسعاً دبلوماسياً، بل كمؤشر على إعادة رسم موازين النفوذ الإقليمي والدولي في بلد يعاني من تناقضات السياسة والأمن والاقتصاد. وتبدو واشنطن اليوم أكثر إدراكاً لأهمية إقليم كُردستان، باعتباره فضاءً مستقراً نسبياً، ونقطة ارتكاز يمكن البناء عليها في ظل تزايد المنافسات الإقليمية على الساحة العراقية. ومع انتقال الاهتمام الأمريكي تدريجياً من بغداد إلى أربيل، تتولد تساؤلات حول طبيعة هذا التموضع الجديد، وأبعاده الاستراتيجية، ودلالاته على مستقبل العلاقة بين الإقليم والدولة العراقية، وعلى شكل التوازنات في المنطقة بصورة أوسع.

وجهاراً شهدت أربيل، عاصمة إقليم كُردستان العراق، خطوة دبلوماسية غير مسبوقة مع إعلان الولايات المتحدة افتتاح أكبر قنصلية لها في العالم داخل المدينة. هذا الافتتاح لا يمكن النظر إليه كإجراء إداري أو دبلوماسي تقليدي، بل كتحوّل جيواستراتيجي يحمل رسائل صريحة للفاعلين في العراق والمنطقة والعالم، ويؤشر إلى انتقال اقليم كُردستان من مرحلة سياسية إلى أخرى أكثر تقدماً وحضوراً وتأثيراً.

أهمية القنصلية الجديدة ما بين الرمزية والواقعية الاستراتيجية :

وتمتد أهمية القنصلية الأمريكية في أربيل عبر عدة مستويات :

1- ترسيخ الوجود الأمريكي طويل الأمد في كُردستان العراق .فالبناء الضخم والمساحة الواسعة والمواصفات الأمنية المتقدمة يعكسان إصرار واشنطن على تثبيت موطئ قدم مستدام في منطقة ذات أهمية جيوسياسية عالية.

2- تحويل أربيل إلى مركز دبلوماسي إقليمي.

وجود قنصلية بهذا الحجم يمنح الإقليم ثقلاً سياسياً، ويجذب اهتمام الشركات الدولية والمنظمات العالمية.

3-إعادة رسم خريطة النفوذ الأمريكي بدلاً من الاكتفاء ببغداد فقط؟ بحيث بات للإقليم حضور مباشر في الخارطة السياسية الأمريكية، الأمر الذي يعزز استقلالية قراره وتوجهاته السياسية والاقتصادية والامنية ؟ . وكما أسلفنا فان القنصلية بصيغتها الضخمة تمثل إعلانا لوجود أمريكي طويل الأمد

فضلا عن تعزيز قدرة واشنطن على مراقبة التفاعلات الإقليمية المحيطة بالعراق واستباق نفوذ قِوى منافسة داخل الجغرافيا العراقية .

انتقال الثقل السياسي في اقليم كُردستان من الدفاع إلى المبادرة :

فقد شهدت السياسة الكُردية خلال العقود الماضية مراحل من الصراعات الداخلية، وتحديات في العلاقة مع بغداد، وضغوطاً إقليمية مستمرة. إلا أن افتتاح القنصلية يُظهر خروج الإقليم من دائرة ردّ الفعل تجاه الأزمات اضافة الى التحول نحو دور الفاعل السياسي المؤثر إقليمياً لتعزيز شرعية الإقليم الدولية كشريك أمني واقتصادي .

كما يدل ذلك على نجاح دبلوماسية أربيل في تقديم نفسها كبوابة للاستقرار والاقتصاد والطاقة، في ظل تزايد الاهتمام العالمي بأمن إمدادات النفط والغاز.

 

بغداد: هواجس سيادية أم حسابات واقعية؟

ان موقف بغداد من هذه الخطوة يتراوح بين الحذر السياسي ؟ خشية تعزيز نزعات الانفصال خاصة بعد قيام اقليم كُردستان باجراء الاستفتاء الكُردي على استقلال كُردستان عام 2017 و خوف بغداد من تقليص نفوذها الاتحادي في كُردستان العراق .اضافة الى القبول الواقعي للإدراك بأن الولايات المتحدة لاعب أساسي في ضبط التوازنات داخل العراق . وهكذا فان بغداد قد ترى في القنصلية تعزيزاً للتوازن أمام نفوذ إقليمي آخر داخل البلاد، لكنها في الوقت نفسه تخشى أن تتحول أربيل إلى مركز قرار مستقل ينافسها دبلوماسياً.

 

الدور الأمريكي وأسبابه: لماذا أربيل الآن؟

الولايات المتحدة الامريكية تتعامل مع افتتاح القنصلية كخطوة استراتيجية ذات أبعاد مركبة ؟للحد من التمدد الإقليمي لقوى منافسة داخل العراق .فضلا عن تعزيز الشراكات الأمنية بعد دحر تنظيم داعش، وتأمين نقاط ارتكاز مستقبلية ودعم الاستثمار الاقتصادي في قطاع الطاقة والنقل والتكنولوجيا في الإقليم وبعد كل هذا دعم نموذج “الاستقرار السياسي” في أربيل مقارنة بباقي أجزاء العراق التي لا تزال تهتز بفعل الصراعات . ويبدو أن واشنطن تراهن على أن إقليم كُردستان يمكن أن يكون شريكاً موثوقاً في مواجهة التحديات المستقبلية في المنطقة. مع نيتها لجعل الإقليم وجهة للاستثمارات الدولية المرتبطة بالطاقة والغاز والنقل وجذب مؤسسات دولية وشركات كبرى لأن تكون قريبة من القرار الأمريكي وفوق كل ذلك دعم نموذج “الاستقرار السياسي” للاستخدام كمرجعية مقارنة ببغداد .

 

تأثيرات إقليمية ودولية واسعة :

لا شك أن هذه الخطوة تفتح الباب أمام تغيّر موازين النفوذ في الشرق الأوسط من خلال :

1- دول إقليمية قد تنظر إلى القنصلية كتعزيز لمحور منافس يحدّ من نفوذها في كُردستان العراق .

2- قوى دولية أخرى قد تعيد حساباتها في التعامل مع أربيل كلاعب متصاعد .

3- الاستثمارات الدولية مرشحة للارتفاع نتيجة الضمانات السياسية التي يوفرها الوجود الأمريكي

كما يتقاطع هذا التغيّر مع تحوّلات تشهدها مسارات الطاقة العالمية، ما يعطي الإقليم موقعاً استراتيجياً في معادلة الأمن الطاقوي الدولي بعد انتقال الدور السياسي لاقليم كُردستان من الدفاع عن الحقوق إلى المبادرة وإدارة النفوذ وتعزيز الشرعية الدولية للإقليم كشريك أمني واقتصادي موثوق بحيث يؤدي ذلك الى تراجع الضغوط الداخلية والإقليمية أمام الاعتراف الدولي المتزايد .

 

أربيل على خريطة المستقبل :

1- الحفاظ على شبكة أمنية قوية تمنع عودة التهديدات الإرهابية .

2- مواجهة النفوذ الإقليمي المتصاعد لخصوم واشنطن .

3- استخدام الإقليم قاعدة لسياسة “إدارة التوازنات” داخل العراق .

 

وأخيراً نقول إن حضور الولايات المتحدة في أربيل لا يمكن قراءته كإجراء إداري أو توسيع روتيني لبعثة دبلوماسية، بل كخطوة تحمل رؤية بعيدة المدى لإعادة هندسة التموضع الأمريكي داخل العراق والمنطقة. فواشنطن لا تراهن فقط على موقع الإقليم الجيوسياسي، بل تراهن على نموذج استقراره السياسي وقدرته على أن يكون شريكاً في إدارة تحديات الأمن والطاقة. وفي المقابل، تبدو أربيل مستعدة لاستثمار هذا الاهتمام الدولي لتعزيز مكانتها الإقليمية، والتحرّك نحو دور أكثر تأثيراً في المعادلات الإقليمية والدولية، ما يجعل المرحلة المقبلة حافلة بتغيرات قد تعيد تعريف بنية النفوذ في العراق ومحيطه .

لذا فان افتتاح أكبر قنصلية أمريكية في أربيل ليس مجرد حدث بروتوكولي؛ إنه إعلان عن مرحلة جديدة في تاريخ الإقليم والعراق والمنطقة كلها. فالإقليم يخطو بثقة نحو تعزيز حضوره السياسي، مدعوماً بمساندة قوة عالمية كبرى، فيما تجد بغداد نفسها مطالبة بسياسة أكثر توازناً تستوعب هذه المتغيرات دون المساس بوحدة الدولة.

وبهذه الخطوة الدبلوماسية الجبارة تتجه أربيل لتكون ليس فقط عاصمة إقليم كُردستان، بل محوراً استراتيجياً في المعادلات الإقليمية والدولية المقبلة ؟.

 

 

 

 


مشاهدات 32
الكاتب آريان ابراهيم شوكت
أضيف 2025/12/08 - 3:32 PM
آخر تحديث 2025/12/09 - 1:32 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 55 الشهر 6150 الكلي 12790055
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/12/9 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير