توم بارك الشرطي الصارم
مجيد الكفائي
في المشهد السياسي والأمني العراقي، تتقدم إلى الواجهة شخصيتان أميركيتان أثارتا نقاشًا واسعًا خلال الأسابيع الماضية: توم بارك ومارك سافيا. ورغم اختلاف الأسلوب بينهما، إلا أن ظهورهما المتزامن في ملفات حساسة أعاد طرح السؤال القديم الجديد حول طبيعة الدور الأميركي في العراق، وكيفية إدارته، ومن هم الأشخاص الذين يتحركون في الظل لصياغة معادلاته.يقدَّم توم بارك بصورة “الشرطي الصارم”، صاحب الحضور المباشر الذي لا يترك مساحة كبيرة للمناورة. خطاباته واضحة، وإشاراته قوية، وتحركاته تُظهر أنه ليس موظفًا دبلوماسيًا عابرًا، بل رجل يحمل ملفًا أمنيًا وسياسيًا متشعبًا. وما ينقله للقيادات العراقية يشبه رسائل التحذير أكثر مما يشبه الحوار التقليدي. يتعامل مع القوى السياسية باعتباره ممثلًا لخط أحمر لا ترغب واشنطن بتجاوزه، وخاصة في ملفات الفصائل، وحماية المصالح الأميركية، ومنع الانجراف نحو محاور إقليمية تتعارض مع الرؤية الأميركية.في المقابل، يتحرك مارك سافيا بهدوء لافت، يمثل الوجه الدبلوماسي الناعم للمهمة نفسها. يستمع أكثر مما يتحدث، ويمارس تأثيره من خلال اللقاءات الهادئة وفتح قنوات التفاهم الرسمية بعيدًا عن الضجيج. يعتمد أسلوب “الشرطي اللطيف” الذي يخفف التوتر ويعيد ترتيب الطاولة السياسية بطريقة تناسب القدرة على تمرير رسائل أقل صدمة وأكثر انسجامًا مع القنوات الدبلوماسية.ورغم ما يبدو من اختلاف بين الشخصيتين، إلا أن حضورهما المتوازي يشير إلى توزيع أدوار مدروس، لا تنافس فيه ولا ازدواجية، بل تكامل وظيفي يقوم على الجمع بين الضغط والطمأنة، الإشارة القاسية من بارك واللمسة المخففة من سافيا. إنه النهج ذاته الذي اتّبعته واشنطن في مناطق حساسة أخرى، حيث تحتاج مهماتها إلى صوتين: أحدهما حادّ يضبط الإيقاع الأمني، وآخر هادئ يهيئ البيئة السياسية.