فذكّر إن نفعت الذكرى
ضرغام الدباغ
مجموعة أصدقاء كنا نجلس في مقهى صيفي ببغداد، كان صديقنا (ن) قد حدثنا عن بغدادي ذكي ولطيف، لم ينل إلا قدراً بسيطاً من التعليم، يعمل سباكاً، ولكن ذكاؤه مدهش وقدرته كشأن معظم البغادة القدماء، يستعين بالأمثال العميقة المعاني، ويسددها بدقة وفي وقتها، ويجيد روايتها، والحق أنني وإن كنت أميل للقراءة لاستخلاص العبر من التاريخ، إلا أني أعترف أن الرجل جذب انتباهنا له. فحين جلس ... دفعه صديقنا (ن) للتعليق ... قال الرجل الحكيم. ... .....
«جاء الثعلب، يختال بذيله وبفروه الجميل، وأقترب من الأسد قائلاً « عزيزي أبو خميس ... ما رأيك إن استطلعت لك صيدة رائعة تكفيك ومعك أثنين من الأسود ...»
« ما هو هذا الصيد الفريد ...؟ « سأل الأسد.
« وجدت لك ثورا اصفر اللون رائع يليق بك أيها الملك «.
« وأين هذا الثور ...؟».
سأدلك عليه، ليس بعيداً بشرط لا أريد منك سوى ديك جميل في القرية، تتركه لي وهو ليس بطعام يليق بالملوك ...!.
« هو لك ولكن دلني عليه ...».
« هو في القرية الهادئة على النهر، سأدلك على مداخل القرية ومخارجها ولكن لا تخوني وتغدر بي « .
« لا ... أنا لا أتعاطى مع فصائل الدجاج ... فهذه لا تليق بمآكل الأسود «.
قاد الثعلب الأسد للقرية التي يعرفها جيداً، وأول دخولهم القرية، أبصر الأسد الديك، وبضربة واحدة أرداه قتيلاً، وبدلاً من أن يتركه للثعلب ألتهمه بلقمة واحدة ... نظر الثعلب بحزن وقال « لماذا غدرت بي ألم نتفق على أن يكون الديك لي ... ! «.
ولا يهمك أبو الويو ... سوف تشاركني في لحم ثورنا ...! « وضحك بسفالة وداعب الثعلب بضربة من كف يده على مؤخرته، كادت تحطم له عظامه ... !
اغتاض الثعلب ولكنه أضمرها في نفسه، وأخذه بأزقة القرية، وأخيراً أدخله الاسطبل حيث الثور، وبالطبع قتله الأسد خلال ثوان، وتعمد الثعلب أن يرتطم بقدور وأواني، فأحدث جلبة وضوضاء، فهاجت كلاب القرية وحراسها من الرجال وبأيديهم سيوف ورماح، فترك الأسد ما بيده، وهرب وصاح به الثعلب على أساس معرفته الوثيقة بأزقة القرية... « أتبعني أبو خميس «.
وعبر الأزقة قاده إلى سياج القرية وهو جدار عالي، وجد الثعلب فيه كوة صغيرة جداً نفذ من خلالها إلى الجانب الآخر، تبعه الأسد ولم يتمكن سوى من عبور رأسه الكبير ويديه، وكان أهل القرية وكلابها بدؤا يحيطون بالمكان وبدأوا ينهالون بالضرب بالعصي على الأسد الذي راح يصرخ متوجعاً « عيوني أبو الويو خلصني من حراس القرية ..! «.
“ عيوني أبو خميس ... قل لي كيف أساعدك، هؤلاء هم الحرس أصحاب الديك، وأصحاب الثور في الطريق لم يصلوك بعد......! “.
والعاقبة للمتقين