الدكتور صالح جواد آل طعمة.. متابعة توثيقية عن الشاعر والمترجم
كربلاء - عبدالهادي البابي
يعد الشاعر والكاتب والمترجم الدكتور صالح جواد آل طعمة من الكتّاب الموسوعيين والأدباء البارزين والشعراء المهمين الذين ساهموا بشكل لافت في تطويرالحركة الثقافية والأدبية والفكرية في كربلاء والعراق في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ، كما ويعتبر من الرواد الأوائل للشعر الحرفي العراق ، وقد أشتهر الدكتور صالح بالتأليف والبحث العلمي وله العديد من الأبحاث والمقالات المنشورة ...فهو وبشهادة الكثيرين من الأساتذة والأكاديميين يعد علماً من أعلام الثقافة العراقية ومن اللذين قدموا الخدمات الجليلة لها من خلال بحوثه ودراساته وكتبه وندواته ومؤتمراته عبر سنوات طويلة .
أسرة علوية
ولد الشاعر الدكتور صالح آل طعمة في مدينة كربلاء عام 1929 من أسرة علوية كريمة الأصل والنسب (السادة آل طعمة) وهي من العوائل العلوية التي تشرفت بسدانة العتبة الحسينية المقدسة على مدى قرون خلت..ومن هذه الأسرة العلمية برز العشرات من الشعراء والأدباء والباحثين والمثقفين عبر تاريخها الذي يتصل بتاريخ كربلاء وعراقتها وقداستها وأهميتها بين مدائن الأرض ، لإنها مثوى سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) ومثوى أهل بيته وأصحابه الكرام الذين أستشهدوا معه في واقعة كربلاء عام 61 هـ. .
وللشاعر صالح آل طعمة ثلاث مجموعات شعرية مزدانة بالجمال والرقة والعذوبة وحاشدة بالإبداع والتفرد ..هي :
(ظلال الغيوم) بغداد 1950 و(الربيع المحتضر) 1952 و(مختارات )..وهي قصائد متناثرة تم جمعها أخيراً من بطون المجلات وصفحات الجرائد لتكون مجموعة ثالثة ..
وقد حظيت تلك الأعمال الشعرية للدكتور صالح آل طعمة بإهتمام بالغ من الباحثين والدارسين والمتابعين فكتبوا عنها الدراسات القيمة والتحقيقات الموسعة والمقالات الكثيرة نظراً لاسلوبه الشعري الذي يتسم بالأصالة والجزالة وحسن التعبير وأنتقاء الألفاظ فكانت تلك القصائد تدخل في قلوب القراء والمستمعين من متذوقي الشعر ومحبي الأدب حتى حفزتهم لدراستها والكتابة عنها .. ومن أوسع وأشمل تلك الكتب هو ماقام به أستاذنا الدكتور سلمان هادي آل طعمة من جهد كبير ومهمة شاقة حيث قام بجمع الأعمال الشعرية للشاعر صالح آل طعمة وأظهرها بكتاب جميل وراقٍ عنوانه : ( الأعمال الشعرية الكاملة ) التي تخص الشاعر الدكتور صالح جواد آل طعمة ...
والكتاب صادر عن مركز كربلاء للدراسات والبحوث التابع للعتبة الحسينية المقدسة ويحمل رقم الإيداع في دار الكتب الوطنية 2875لسنة 2022... يقع الكتاب ب200 صفحة من القطع الوزيري ويشتمل على مقدمة ثم سيرة الشاعر ومؤلفاته وأعماله ودوره الإجتماعي وشاعريته الفذة ثم التفاصيل في مجموعاته الثلاثة ظلال الغيوم ، والربيع المحتضر ، ومختارات ..وما تضمنته من قصائد كتبها الشاعر في أزمان مختلفة وأماكن متباعدة ..
وقد كتب السيد سلمان هادي آل طعمة في مقدمة الكتاب : يُعد الدكتور صالح آل طعمة أحد أبرز الشعراء الذين أنجبتهم كربلاء في القرن العشرين ممن ملك ناصية الأدب وسنام المعرفة ..[وهذه شهادة مهمة من لدن المؤلف السيد سلمان آل طعمة بحق - أستاذه كما يعبر عنه - وقريبه الشاعر صالح آل طعمة ..فهي تعد وثيقة أدبية ومعرفية مهمة لإنها صدرت من خبير في مجاله وأستاذ في مهنته إضافة لقربه من الشاعر وإطلاعه على حياته وبداياته الشعرية منذ أكثر من ستين عاماً ]..
وعن قابليات الشاعر الدكتور صالح الذهنية والمعرفية يقول المؤرخ سلمان آل طعمة : [وكان في ذكائه ونشاطه وخفة روحه وقابلياته الفكرية مثار إعجاب الأساتذة والطلاب والأهل والأصدقاء والأقارب ]..كما ذكره الأديب كامل رحيم الكيال في كتابه : (أدباء كربلاء المعاصرون) ص14 ..وجاء في ص15 : [وشاعرنا - صالح آل طعمة - من أصحاب المواهب التي أثمرت فأينعت ثمارها ، فقد برزت موهبته الشعرية متدفقة كالسيل في أواخر الأربعينيات ، وجائت قصائدة واضحة نقية منسجمة الألوان ، شفافة الظلال ، حيث عايش أحاسيسه الرهيفة الموجعة ، فنظمها بصدق وجدان ، وحرارة عاطفة ، ورؤى حلوة مغرية ] ..وجاء في مقدمة المرحوم الدكتور صباح نوري مرزوك في دراسته عن الدكتور صالح آل طعمة والتي عنوانها : [ دارسة بيوغرافية بيلوغرافية ] ص21..يعد الدكتور الشاعر صالح آل طعمة واحداً من رواد الشعر الحر في العراق الى جانب بدر شاكر السياب وعبدالوهاب البياتي ونازك الملائكة ، ويشهد على ذلك ماقاله من شعر وما أكده مؤرخو الأدب العربي ..لذا أرى من واجبي أن أقدم تعريفاً (بيوغرافيا و ببلوغرافيا) عن الدكتور صالح لكي يصبح مقدراً للباحثين والدارسين لحياته وشعره وآثاره وماكتُب عنه ]..
وكتب عنه الأديب الراحل المحامي حسين فهمي الخزرجي في كتابه : [صور ودراسات أدبية في شعراء وأدباء كربلاء] ...ص19 : يتسّم الدكتور صالح جواد آل طعمة بإخلاق عالية جداً وشمائل كريمة ، فهو لايرتاد المحال العامة إلاّ قليلاً ..وأنه يقضي معظم أوقات فراغه في مكتبة المعارف العامة ، وسلوته الوحيدة قلمه الذي أتخذه حبيباً يبثه آمال وآلام وأوجاع نفسه وإن كتبه لهي من أعز أصدقائه لديه] ..
وكتب الأديب الدكتور علي حسين يوسف في مقدمة أحد البحوث التي تتناول البناء الدرامي في شعر صالح آل طعمه قائلاً : [يعد ُ الشاعر صالح جواد آل طعمة ، من جيل الشعراء الرواد الذين نهضوا بالشعر الحر حتى أستوى على عوده.. ولهذا الدورالمهم الذي لعبه الشاعر ياتي هذا البحث ليسلط الأضواء على جانب من جوانـــب شـــــــعره وهو البناء الدرامي].
اثار مهمة
كما وهناك الكثير من الشهادات والمقالات والمتابعات الثقافية والأدبية التي تعّرف بالدكتور صالح آل طعمة وبآثاره المهمة التي تضعه من بين الشخصيات الأدبية الكبيرة في الأدب العربي المعاصر ..
بقي التذكير أن الدكتور صالح آل طعمة قد تخرّج من دار المعلمين في بغداد عام 1952 ثمّ حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة هارفارد في أميركا عام 1957، عمل مدرّساً في كليّة التربية في العراق ثمّ ملحقًا ثقافياً في السفارة العراقية في واشنطن حتى عام 1963، بعدها عيّن أستاذاً للغة العربية والأدب المقارن والدراسات الإفريقية في جامعة إنديانا في الولايات المتحدة ، ويعتبر من الأدباء الذين ساهموا في التعريف بالثقافة العربية ، وأشتهر بالتأليف والبحث العلمي ، له عدد كبير من المقالات والأبحاث المنشورة نذكر منها :
مشكلة الأزدواج اللغوي - بحث مقارن بين اللهجة العامية العراقية واللغة الفصحى (جامعة هارفارد 1969)..الأدب العربي الحديث مترجماً - (لندن: الساقي 2005)..الأدب العربي الحديث - بغداد - وزارة التربية 1959..مشكلات تدريس اللغة العربيّة في مرحلة الدراسة الثانويّة - بغداد - وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، 1972..معجم مصطلحات علم اللغة الحديث - محمد حسن باكلاّ وآخرون. بيروت: مكتبة لبنان، 1983..صلاح الدين في الشعر العربي الحديث..قضايا اللغة العربية المعاصرة - بيروت: دار الغاوون 2011..
كما وللدكتور صالح آل طعمة العشرات من البحوث والدراسات والمقالات الأخرى المنشورة في الصحف والمجلات العربية والعالمية.
اليوم يعيش الشاعر والمفكر الدكتور صالح جواد آل طعمة في الولايات المتحدة الأمريكية (ولاية ولنغتون) ...ورغم تقاعده وبلوغه 96 عاماً إلاّ أنه لازال يمارس نشاطه الثقافي والأدبي والفكري ويحضر بعض المؤتمرات والجلسات الفكرية والعلمية هناك في بلاد المهجر ..نسأل الله له الصحة والعافية والتوفيق والعمر المديد إن شاء الله تعالى ..