الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
جامعة واسط وجامعة الامام الصادق..فرق الثرى عن الثريا!

بواسطة azzaman

جامعة واسط وجامعة الامام الصادق..فرق الثرى عن الثريا!

احسان باشي العتابي

 

 من المؤكد ان العنوان بمفرده ،فضلا عن سطور متن المقال ،ستزعج من يعنيه الكلام، لكن لا اهتم، ما دام المقياس الذي امتطيه، هو كشف الحقيقة مهما كانت،من اجل تشخيص السلبيات ،وإنصاف كل مظلوم، وتعضيد من يستحق ان نقف بجانبه، انصافا لمنطق العقل والضمير الحي وليس شيئا آخر. ويحضرني قول الشاعر عنترة بن شداد:

لا تسقني ماء الحياة بذلة

بل فاسقني بالعز كاس الحنظل

ماء الحياة بذلة كجهنم

وجهنم بالعز أطيب منزل

باللغة العراقية الدارجة،ما ياخذها غير الخلاها.

برغم المرارة العميقة،والحزن الذي لا تستطيع ليس فقط الكلمات، بل لغات العالم باسره ان تصفه،بسبب رحيل زهرة من زهرات هذا الوطن المنكوب بكل ما تعني الكلمة من معنى، كان مجمل حلمها، ان تصنع لذاتها واهلها ومجتمعها مستقبلا مشرقا ،واذا بها تطعن في كرامتها امام الملا، لتجد في النهاية ان الموت ارحم من الاهانة التي وجهت لها. آليت على نفسي، الا ان اشارك اهلها ومحبيها ألم رحيلها، واوبخ المتسبب بحادثة انتحارها.

العراق يعاني من أزمات متلاحقة على جميع الصعد، وبضمنها العملية التربوية ،وهذا ما لا يستطيع احد او جهة ما انكاره، سواء من جهة سوء التخطيط ،او من جهة السياسات التي لا تراعي واقع المجتمع المتازم الى درجة الاحتضار! من المفترض ان وزارة التعليم العالي واجهة مشرقة للبلد، ومصنعا للكفاءات، لكن للأسف الشديد، نجد ان بعض ممارساتها او ممارسات المؤسسات التابعة لها، قد تحولت الى عبء اضافي على الطلبة واسرهم، لا سيما في ظل التدهور الاقتصادي الكبير،الذي يعيشه العراق منذ فترة ليست بالقصيرة!

قبل ايام قلائل ،تناقلت وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، نبا مفجعا مفاده، انتحار طالبة في جامعة الامام الصادق بمحافظة النجف،بسبب تعرضها للاهانة امام زملائها، بعد سحب هويتها الجامعية، بسبب عدم تمكنها من تسديد القسط الدراسي المطلوب. هذه الحادثة الاليمة لم تكن مجرد اشاعة،اذ سرعان ما اكدت وزارة التعليم العالي، عبر قرار اصدره الوزير نعيم العبودي، بمنع الجامعات من حرمان اي طالب من اداء الامتحانات النهائية، بسبب عدم اكمال تسديد الاقساط، مما يؤشر ضمنيا الى صحة الاخبار المتداولة عن ملابسات الحادثة.

ولابد لي من طرح تساؤلات لعلي اجد الاجابة عليها من قبل المتسببين بتلك الحادثة حصرا:

اي جرم اقترفت هذه الطالبة حتى تهان بتلك الطريقة الفجة؟!

واي قلب قاس ذاك، الذي لم يرحم فقرها، ولم يراعي انسانيتها؟!

اين انتم من اسم الصادق، الذي اتخذتموه شعارا لجامعتكم؟!

اين الاخلاق، اين الرحمة، اين كل تلك العناوين التي تحملونها؟؟؟!!!

كان من المفترض ان تكونوا اباء قبل ان تكونوا مسؤولين،ان تكونوا حماة للعلم لا جلادين،ان تفتحوا عقولكم، وقلوبكم، قبل ابوابكم، لجميع الطلبة دون استثناء، لا ان تغلقوها بوجههم وتدفعوهم الى الهاوية بموت ضمائركم!

في مقابل هذه الصورة السوداوية القاتمة، نجد تجربة مشرقة ، تتمثل في جامعة واسط، التي تقدم نموذجا آخر في التعامل مع الطلبة. فبرغم الظروف المالية الصعبة، التي تمر بها الجامعة ، خصوصا كليات التعليم المسائي، الا ان ادارة جامعة واسط ،اختارت ان تطبق “ روح القانون ” لا “نصوصه الجامدة”، فكانت اكثر تفهما لظروف الطلبة، واكثر حرصا على دعمهم بدلا من معاقبتهم بسبب ظروفهم المادية الحرجة كما اسلفنا.

ان الفارق بين الحالتين ،ليس مجرد فارق ادراي او تنظيمي، بل هو فرق في الفلسفة، والرؤية الانسانية، التي تنطلق منها الجامعة عموما. واذا كنا نبحث عن اصلاح حقيقي لمنظومة التعليم العالي في العراق، فعلينا ان نعيد ترتيب اولوياتنا: الطالب اولا،الرحمة قبل النص.

بحق..ان الفارق بين جامعة واسط وجامعة الامام الصادق بهذا الخصوص،فرق الثرى عن الثريا.

ربما يقول قائل ،حتى وان صح فعل ادارة جامعة الامام الصادق مع الطالبة،فلا يستوجب ان تنتحر ،نعم قد يكون الكلام منطقيا ،إذا ما حدث ذلك الفعل، مع إنسان ناضج في العمر ،والتفكير ،والتجربة،وليس مع انسان غير ناضج على مستوى العمر والتفكير والتجربة،ولنضع في نظر الاعتبار انها "أنثى".

الواجب اليوم ،الا نكتفي برثاء تلك الطالبة ضحية السياسات الخاطئة في البلد، التي ازهقت روحها ظلما، بل ان نحول هذه المأساة الى جرس انذار حقيقي، يدفعنا لاعادة النظر في اساليب الادارة الجامعية كافة، والتأكيد على ان الجامعات ليست شركات جباية، بل مؤسسات تصنع الانسان، وتحميه، وتبنيه؛ وان التعليم ليس سلعة للبيع والشراء، وليس ميدانا للربح والخسارة،التعليم رسالة، ومهنة مقدسة، لا يجوز ان تلوث باي شكل من اشكال الاستغلال او الاذلال.

وبعد الجهر بموقفنا الواضح تجاه تلك الفاجعة ،لا بد ان نوجه خطابنا الى وزارة التعليم العالي،متمثلة بشخص الوزير نعيم العبودي، الذي اصدر تعميما – بعد وقوع الفاجعة – ،يقضي بعدم منع الطلبة، من اداء الامتحانات النهائية ،بسبب عدم تسديد الاقساط.ان هذه الخطوة، رغم اهميتها،لكنها جاءت متأخرة، جاءت بعد ان ازهقت روح بريئة، كان من الممكن انقاذها لو ان هذه السياسة قد اتبعت منذ البداية.رغم ان احد المصادر الاكاديمية صرح لي شخصيا،ان هذا التعميم لم ياتي على خلفية هذه الحادثة،بل انه منذ فترة طويلة،فاذا صح هذا الكلام،هنا اصبح الوزير ملزما بمحاسبة من دفع تلك الطالبة المظلومة للإنتحار،من خلال إحالتهم إلى المحاكم المختصة لينالوا جزاءهم العادل،هكذا افهم العدالة. ان كل كلمة تكتب اليوم،سواء مني او من غيري بهذا الخصوص، لن تعيد الحياة الى تلك الطالبة المسكينة، ولا تعوض اهلها ومحبيها فقدهم لها ،لكنها ربما تكون صرخة توقظ الضمائر من سباتها، قبل ان نخسر ارواحا اخرى تستحق ان تعيش الحياة،حتى تترك اثرا طيبا،تتناقله الأجيال التي تليها.

الرحمة لضحايا الجهل المستفحل بالمجتمع ،الرحمة لضحايا القسوة التي تحكم، الرحمة للطالبة التي قتلت بالاهانة قبل ان تقتل بالفعل.


مشاهدات 61
الكاتب احسان باشي العتابي
أضيف 2025/04/29 - 3:37 PM
آخر تحديث 2025/04/30 - 5:48 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 290 الشهر 32372 الكلي 10913019
الوقت الآن
الأربعاء 2025/4/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير