الداخلية السورية تتعهّد بملاحقة المتورّطين
9 قتلى غالبيتهم دروز في إشتباكات خلفيتها طائفية مع عناصر أمن قرب دمشق
دمشق, (أ ف ب) - تعهدت وزارة الداخلية السورية الثلاثاء «ملاحقة المتورطين» في الاشتباكات ذات الخلفية الطائفية التي شهدتها جرمانا قرب دمشق، مؤكدة أنها وقعت بين «مجموعات» مسلحة من المدينة وخارجها.
وقالت في بيان «شهدت منطقة جرمانا اشتباكات متقطعة بين مجموعات لمسلحين، بعضهم من خارج المنطقة وبعضهم الآخر من داخلها»، ما أسفر عن «قتلى وجرحى، من بينهم عناصر من قوى الأمن المنتشرة في المنطقة». وأكدت فرض «طوق أمني» حول المدينة، وتعهدت «ملاحقة المتورطين ومحاسبتهم وفق القانون ... وحماية الأهالي والحفاظ على السلم المجتمعي».
وقتل تسعة أشخاص على الأقل بينهم ستة مسلحين محليين دروز، بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان، في اشتباكات ذات خلفية طائفية اندلعت ليل الاثنين الثلاثاء مع عناصر أمن دخلوا جرمانا قرب دمشق، حمّلت المرجعية الدينية في المدينة السلطات «المسؤولية الكاملة» عنها.
اعمال عنف
وأتى هذا التوتر بعد أكثر من شهر على أعمال عنف دامية في منطقة الساحل السوري قتل خلالها نحو 1700 شخص غالبيتهم العظمى من العلويين، سلطت الضوء على التحديات التي تواجهها السلطات الجديدة في سوريا بقيادة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، في سعيها لتثبيت حكمها ورسم أطر العلاقة مع مختلف المكونات عقب إطاحة الرئيس بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر.
ووقعت اشتباكات جرمانا عقب انتشار تسجيل صوتي نسب الى شخص من الطائفة الدرزية يتضمن إساءات الى النبي محمد. وأفاد سكان وكالة فرانس برس بسماع أصوات إطلاق رصاص وقذائف خلال الليل، مؤكدين تراجع حدة المعارك صباح الثلاثاء، لكن مع خلو الشوارع من روادها وتواصل انتشار المسلحين.
وأفاد شاهد تحفظ عن ذكر اسمه خشية على سلامته، عن وقوع اشتباكات متواصلة ليلا لنحو نصف ساعة، تبعها إطلاق رصاص وقذائف بشكل متقطع.
وقال «حوصرنا في منازلنا مع استمرار سماع رشقات متقطعة. لم يتوجه الأولاد الى مدارسهم بينما خلت الشوارع في حيّنا صباحا (الثلاثاء) من أي حركة».
وفتحت بعض المتاجر أبوابها صباحا لكن الحركة كانت خفيفة في الشوارع، بحسب سكان أكدوا انتشار مسلحين محليين في المدينة وعند مداخلها الرئيسية. وقال أحد هؤلاء المسلحين الذي قدم نفسه باسم جمال، بأنهم يطلبون من الناس لزوم المنازل «حرصاً على حياتهم». أضاف «لم تشهد جرمانا يوما كهذا منذ سنوات طويلة، المدينة عادة مزدحمة وحيوية ولا تنام لكنها اليوم مدينة ميتة والجميع في بيته».
وكان المرصد السوري أفاد بـ»اندلاع اشتباكات عنيفة في جرمانا بعد اقتحام عناصر أمن ومسلحين تابعين لها أحياء في المدينة، على خلفية توتر سببه انتشار تسجيل صوتي منسوب لمواطن درزي، يتضمن اساءات ذات طابع ديني». وأشار مدير المرصد رامي عبد الرحمن الى أن المعارك أسفرت عن مقتل ستة مسلحين دروز وثلاثة من المهاجِمين. ونددت المرجعية الدينية الدرزية في جرمانا بـ»هجوم غير مبرر».
وقالت الهيئة الروحية لطائفة المسلمين الموحدين الدروز في جرمانا في بيان تلقته فرانس برس «إننا إذ نستنكر أشدَّ الاستنكار أيَّ تعرض بالإساءة إلى النبي الأكرم... فإننا نعتبر ما تمَّ تلفيقه من مقطع صوتي بهذا الخصوص... مشروعَ فتنةٍ وزرعاً للانقسام بين أبناء الوطن الواحد». كذلك، نددت بـ»الهجوم المسلح غير المبرر على مدينة جرمانا الذي استُخدمت فيه مختلف أنواع الأسلحة، واستهدف المدنيين الأبرياء، وروَّع السكان الآمنين بغير وجه حق».
ورأت أن «حماية أرواح المواطنين وكرامتهم وممتلكاتهم هي من أبسط مسؤوليات الدولة والأجهزة الأمنية»، محمّلة «السلطات المسؤولية الكاملة عما حدث، وعن أي تطورات لاحقة أو تفاقمٍ للأزمة». وأكدت رهام وقاف (33 عاما) أنها لزمت المنزل مع زوجها وأولادهما منذ بدء الاشتباكات ليل الاثنين.
وقالت وقاف الموظفة في منظمة إنسانية لفرانس برس عبر الهاتف «أخاف أن تتحول مدينة جرمانا إلى ساحة حرب أو أن نعلق هنا»، مضيفة «أنا خائفة من توتر الوضع أكثر، كان يتوجب أن نأخذ أمي اليوم إلى المشفى لأخذ جرعة دوائية، لكن لم نتمكن من ذلك».
وأعلنت وزارة الداخلية صباح الثلاثاء نشر عناصر من قوات الأمن «على أطراف مدينة جرمانا... منعا لأي تجاوز حاصل، وذلك في إطار الجهود الرامية لضبط الأمن وتعزيز الاستقرار في المنطقة». وأرفقت ذلك بصور لعناصر بالزي الرسمي بعضهم ملثم، يحملون أسلحة رشاشة ويقفون قرب سيارات وعربات مدرعة.
وكانت الوزارة شددت في بيان ليلا على وجوب عدم «الاخلال بالنظام العام» أو التعدي على الأفراد والممتلكات.
وحضت على «عدم الانجرار إلى أي تصرف فردي أو جماعي من شأنه الإخلال بالأمن العام أو التعدي على الأرواح والممتلكات»، مؤكدة أنها تتابع «باهتمام بالغ ما تم تداوله... من تسجيل صوتي يتضمن إساءات بالغة تمس مقام رسول الله».
وأوضحت «العمل ما زال جاريا لتحديد هوية صاحب الصوت، ليُقدّم إلى العدالة وينال العقوبة الرادعة التي يستحقها وفقا للأنظمة والقوانين المعمول بها».
وتقطن ضاحية جرمانا الواقعة جنوب شرق دمشق، غالبية من الدروز والمسيحيين، وعائلات نزحت خلال سنوات النزاع الذي اندلع في سوريا عام 2011.
وسبق للمنطقة أن شهدت توترات عقب إطاحة الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر على يد تحالف فصائل مسلحة تقوده هيئة تحرير الشام بزعامة الشرع الذي كان يعرف حينها باسمه الحركي أبو محمد الجولاني.
وانتشر عناصر أمن تابعون للسلطات الجديدة مطلع آذار/مارس في جرمانا عقب اشتباكات مع مسلحين من الدروز.
وإثر تلك المعارك، هددت إسرائيل بالتدخل لحماية أبناء هذه الأقلية. وقال وزير دفاعها يسرائيل كاتس حينها «أصدرنا أوامرنا للجيش بالاستعداد وإرسال تحذير صارم وواضح: إذا أقدم النظام على المساس بالدروز فإننا سنؤذيه». ويقيم نحو 150 ألف درزي في إسرائيل، تحمل غالبيتهم الجنسية الإسرائيلية، بينما يقيم 23 ألف درزي في الجزء الذي تحتله اسرائيل من هضبة الجولان. وتتمسك غالبيتهم بالهوية السورية. ومنذ وصول السلطة الجديدة الى دمشق بعد إطاحة حكم بشار الأسد، تسجّل اشتباكات وحوادث إطلاق نار في عدد من المناطق. ويتحدث سكان ومنظمات حقوقية عن انتهاكات واعتقالات.
من جهة اخرى أدى وفد من اليهود السوريين المقيمين في الولايات المتحدة الصلاة في كنيس الإفرنج في دمشق القديمة الثلاثاء، وفق مصور في وكالة فرانس برس، في إطار سلسلة زيارات تشهدها العاصمة السورية منذ إطاحة حكم بشار الأسد. وتأتي الزيارة عقب إعلان رئيس الطائفة اليهودية في سوريا بخور شمنطوب أن مجهولين اقتحموا منتصف الأسبوع الماضي مقبرة اليهود حيث قاموا بأعمال تخريب قرب قبر الحاخام حاييم فيتال الذي يعد من رموز التصوف اليهودي.
وضم الوفد الزائر شخصيات بينهم الحاخام هنري حمرا، نجل يوسف حمرا الذي كان آخر حاخام غادر سوريا، وكان في عداد آلاف اليهود السوريين الذين سافروا منها مطلع التسعينات. وهو كان زار دمشق مع ابنه في شباط/فبراير، وذلك للمرة الأولى منذ مغادرته.
وترأس هنري حمرا الصلاة صباحا في كنيس الافرنج، وهو واحد من أكثر من عشرين معبدا يهوديا في سوريا، بحضور أعضاء الوفد بينهم فيكتور كميل، من الجالية اليهودية السورية في بروكلين.
استقبال زوار
وقال كميل لفرانس برس إن الزيارة تأتي في إطار «الإعداد لزيارة وفد أكبر في وقت قريب الى سوريا» مضيفا «نريد تجهيز الكنيس والمجتمع هنا لاستقبال الزوار على الأقل، ونأمل أن تتحسّن الأوضاع هنا في البلد، فيبدأون بالتفكير أكثر في العودة أو القدوم للسياحة».
وتابع «نحن يهود سوريون فخورون للغاية، ويعرف أولادنا اننا فخورون جدا، وسيحبون بالتأكيد هذا التراث وهذا التاريخ».
وأحيا الوفد في دمشق الإثنين ذكرى وفاة الحاخام فيتال المدفون في مقبرة اليهود في دمشق، وفق ما قال كميل.
وجاء إحياء الذكرى بعدما كان مجهولون اقتحموا الأسبوع الماضي الغرفة التي تضم مرقده في المقبرة.
وفي منشور على فيسبوك الجمعة، كتب رئيس الطائفة اليهودية في سوريا إن المجهولين «حفروا الارض بجانب القبر بحثا عن الآثار»، مضيفا «أخبرنا الهيئة المسؤولة عن المنطقة وعاينت مكان التخريب ووعدتنا بالبحث عن المسؤولين عن الحادثة».
وقال تحالف الحاخامات في الدول الاسلامية في بيان نشره شمنطوب الأحد، «نشعر بصدمة وحزن عميقين إزاء تدنيس قبر الحاخام حاييم فيتال»، داعين «الحكومة السورية بإلحاح الى تأمين (ضمان أمن) الأماكن المقدسة اليهودية والمعابد والمقابر فورا».
وقال كميل لفرانس برس «لا نعرف الغرض من الحادث، ونحاول معرفة ما إذا كان الهدف لمس عظام الحاخام أو نقلها أو تدنيسها».
وأكد أن ما حصل «لن يغيّر شيئا. فالحاخام مهم جدا لنا وسيبقى مهما لنا الى الابد، لا سيما المكان الذي دفن فيه». خلال سنوات النزاع، تعرض كنيس عريق في حي جوبر للنهب ولدمار كبير، بعدما شكّل محجا لليهود من أنحاء العالم. وتمتع اليهود الذين يعود وجودهم في سوريا الى قرون قبل الميلاد، بحرية ممارسة شعائرهم الدينية خلال حكم عائلة الأسد. لكن نظام الأسد الأب قيّد حركتهم ومنعهم من السفر حتى العام 1992. وبعد السماح لهم بالسفر، انخفض عددهم من نحو خمسة آلاف الى سبعة مسنّين يقيمون حاليا في دمشق.
وتعهدت السلطات الجديدة بقيادة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، إشراك الطوائف كافة في بناء مستقبل سوريا، وضمان أمنها، وسط مخاوف لدى الأقليات مع تسجيل انتهاكات متفرقة.
وعلى هامش زيارة الى نيويورك، التقى وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني وفدا من الجالية السورية اليهودية في نيويورك. وبحث معه في «أهمية تعزيز جسور التواصل والتفاهم»، على ما نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية الثلاثاء.