الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
كثر‭ ‬الشعراء‭ ‬وقل‭ ‬الشعر

بواسطة azzaman

كثر‭ ‬الشعراء‭ ‬وقل‭ ‬الشعر

كامل عبدالرحيم

 

من‭ ‬بين‭ ‬جميع‭ ‬أغاني‭ ‬نجاة‭ ‬الصغيرة،‭ ‬تثير‭ ‬أغنية‭ (‬أيظن‭) ‬عندي‭ ‬كآبة‭ ‬مبهمة‭. ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬يثير‭ ‬كآبتي‭: ‬كآبة‭ ‬التخوم،‭ ‬كآبة‭ ‬رجل‭ ‬فضاء‭ ‬ضل‭ ‬طريقه‭ ‬فوجد‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬مجرة‭ ‬بعيدة‭ ‬بلا‭ ‬عنوان‭. ‬ورغم‭ ‬ذلك،‭ ‬أخرجت‭ (‬أيظن‭) ‬من‭ ‬باطن‭ ‬اليوتيوب،‭ ‬ووضعت‭ ‬صوت‭ ‬الهاتف‭ ‬على‭ ‬قوته،‭ ‬وأخذت‭ ‬أمارس‭ ‬رياضة‭ ‬المشي‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الدار‭ ‬تحت‭ ‬الشمس‭.‬

شمس‭ ‬الصباح‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬عملة‭ ‬نادرة؛‭ ‬فهي‭ ‬في‭ ‬الحد‭ ‬الفاصل‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬الفصول،‭ ‬تنتمي‭ ‬قليلًا‭ ‬إلى‭ ‬الصيف‭ ‬لكنها‭ ‬ابنة‭ ‬أو‭ ‬أم‭ ‬الربيع‭ ‬والشتاء‭ ‬والخريف‭. ‬فكرتُ‭: ‬لو‭ ‬كان‭ ‬الله‭ ‬يبيع‭ ‬ويشتري،‭ ‬لقايضت‭ ‬تلك‭ ‬الشمس‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬غالٍ‭ ‬وثمين‭. ‬لكن‭ ‬من‭ ‬سيشتريها؟‭ ‬ليس‭ ‬غير‭ ‬الفقراء‭.‬

الحقيقة،‭ ‬لم‭ ‬أنتبه‭ ‬يومًا‭ ‬لكلمات‭ ‬أغنية‭ (‬أيظن‭)‬،‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬غريمتها‭ ‬وندّها‭ (‬ساكن‭ ‬قصادي‭). ‬وقد‭ ‬لحن‭ ‬الأغنيتين‭ ‬محمد‭ ‬عبد‭ ‬الوهاب،‭ ‬وربما‭ ‬تلاعب‭ ‬عبد‭ ‬الوهاب‭ ‬بمشاعرنا‭ ‬عندما‭ ‬لحن‭ ‬الأغنيتين،‭ ‬كما‭ ‬أسمع‭ (‬وهذا‭ ‬رأيي‭)‬،‭ ‬بنفس‭ ‬الطريقة‭ ‬وذات‭ ‬المقدمة،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الاثنتين‭ ‬تحكيان‭ ‬قصتين‭ ‬مختلفتين‭.‬

‭(‬أيظن‭) ‬من‭ ‬كلمات‭ ‬نزار‭ ‬قباني،‭ ‬وهي‭ ‬قصة‭ ‬تقليدية‭ ‬رومانسية‭ ‬لحب‭ ‬إيجابي‭ ‬ينتهي‭ ‬نهاية‭ ‬سعيدة‭ ‬رغم‭ ‬الزعل‭ ‬والخصام‭ ‬في‭ ‬البداية‭. ‬كتبها‭ ‬نزار‭ ‬بالفصحى،‭ ‬وهي‭ ‬تتبع‭ ‬أسلوبه‭ ‬المعروف‭ ‬في‭ ‬تصوير‭ ‬الأنثى‭ ‬المقهورة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تستسلم‭.‬

على‭ ‬العكس،‭ (‬ساكن‭ ‬قصادي‭) ‬تحكي‭ ‬قصة‭ ‬حب‭ ‬مستحيل،‭ ‬حب‭ ‬يائس‭ ‬لم‭ ‬يولد‭ ‬أصلًا‭. ‬حب‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الذي،‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬بلزاك،‭ ‬ينتج‭ ‬رواية‭ ‬أو‭ ‬حكاية‭. ‬فبرأي‭ ‬بلزاك،‭ ‬كل‭ ‬قصة‭ ‬حب‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬واحد‭ ‬هي‭ ‬رواية‭.‬

‭(‬ساكن‭ ‬قصادي‭) ‬كُتبت‭ ‬بالعامية‭ ‬المصرية،‭ ‬من‭ ‬كلمات‭ ‬الشاعر‭ ‬حسين‭ ‬السيد‭ (‬1916-1983‭).‬

كان‭ ‬حسين‭ ‬السيد‭ ‬بهي‭ ‬الطلعة،‭ ‬وسيمًا،‭ ‬شغوفًا‭ ‬بالأدب‭ ‬في‭ ‬شبابه‭. ‬أراد‭ ‬الالتحاق‭ ‬بكلية‭ ‬الآداب،‭ ‬لكن‭ ‬ظروف‭ ‬عائلته‭ ‬ومسؤوليته‭ ‬عن‭ ‬دكان‭ ‬أبيه‭ ‬حالت‭ ‬دون‭ ‬تحقيق‭ ‬حلمه‭. ‬ظنّ‭ ‬أنه‭ ‬يمتلك‭ ‬نصيبًا‭ ‬في‭ ‬التمثيل،‭ ‬فتقدم‭ ‬إلى‭ ‬لجنة‭ ‬اختبار‭ ‬عندما‭ ‬قرأ‭ ‬إعلانًا‭ ‬عن‭ ‬الحاجة‭ ‬لممثلين‭ ‬لفيلم‭ (‬يوم‭ ‬سعيد‭).‬

تقدم‭ ‬وأخذ‭ ‬دوره‭ ‬في‭ ‬الطابور،‭ ‬لكنه‭ ‬استمع‭ ‬إلى‭ ‬حديث‭ ‬جانبي‭ ‬بين‭ ‬محمد‭ ‬عبد‭ ‬الوهاب‭ ‬ومعاونيه‭ ‬عن‭ ‬حاجتهم‭ ‬إلى‭ ‬شاعر‭ ‬يكتب‭ ‬أغنية‭ ‬توافق‭ ‬مشهدًا‭ ‬في‭ ‬الفيلم‭. ‬ترك‭ ‬الطابور‭ ‬وقدم‭ ‬عرضه‭ ‬بكتابة‭ ‬هذه‭ ‬الأغنية‭. ‬قوبل‭ ‬طلبه‭ ‬بالرفض‭ ‬الشديد،‭ ‬لكنه‭ ‬أصر‭ ‬وألح،‭ ‬فهي‭ ‬فرصة‭ ‬عمره‭. ‬رقّ‭ ‬قلب‭ ‬عبد‭ ‬الوهاب‭ ‬ومنحه‭ ‬الفرصة‭ ‬مضطرًا‭. ‬لم‭ ‬يخيب‭ ‬حسين‭ ‬السيد‭ ‬ظنه‭ ‬أبدًا؛‭ ‬فكانت‭ ‬أغنية‭ (‬اجري‭ ‬اجري‭).‬

بعدها،‭ ‬نمت‭ ‬صداقة‭ ‬بين‭ ‬الرجلين‭ ‬استمرت‭ ‬حتى‭ ‬وفاة‭ ‬الشاعر‭.‬

كتب‭ ‬حسين‭ ‬السيد‭ ‬عشرات،‭ ‬بل‭ ‬مئات‭ ‬الأغاني،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجالات‭: ‬الخفيفة،‭ ‬العاطفية،‭ ‬وحتى‭ ‬الوطنية‭ ‬والدينية‭. ‬كتب‭ ‬لعبد‭ ‬الوهاب‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ (‬اجري‭ ‬اجري‭): (‬ياللي‭ ‬نويت‭ ‬تشغلني‭)‬،‭ (‬ماقدرش‭ ‬أنساك‭)‬،‭ (‬الحبيب‭ ‬المجهول‭)‬،‭ (‬تراعيني‭ ‬قيراط‭)‬،‭ (‬صوت‭ ‬الجماهير‭)‬،‭ (‬قالولي‭ ‬هان‭ ‬الود‭ ‬عليك‭)‬،‭ (‬افتكرني‭)‬،‭ (‬قلبي‭ ‬بيقولي‭ ‬كلام‭)‬،‭ (‬كان‭ ‬أجمل‭ ‬يوم‭)‬،‭ ‬وغيرها‭ ‬الكثير‭.‬

كتب‭ ‬لفريد‭ ‬الأطرش‭ (‬ارحمني‭ ‬وطمني‭) ‬و‭ (‬يا‭ ‬أبو‭ ‬ضحكة‭ ‬جنان‭).‬

ولفايزة‭ ‬أحمد‭: (‬خاف‭ ‬الله‭)‬،‭ (‬ست‭ ‬الحبايب‭)‬،‭ (‬حمال‭ ‬الأسية‭).‬

ولليلى‭ ‬مراد‭: (‬أبجد‭ ‬هوز‭) ‬و‭(‬عيني‭ ‬بترف‭) .‬

أما‭ ‬لنجاة‭ ‬الصغيرة،‭ ‬فكتب‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ (‬ساكن‭ ‬قصادي‭): (‬يا‭ ‬مسافر‭ ‬وحدك‭)‬،‭ (‬ع‭ ‬اليادي‭ ‬اليادي‭)‬،‭ (‬شكل‭ ‬تاني‭)‬،‭ (‬القريب‭ ‬منك‭ ‬بعيد‭)‬،‭ (‬ماقدرش‭ ‬أنساك‭).‬

وغنت‭ ‬صباح‭ ‬له‭ (‬أكلك‭ ‬منين‭ ‬يا‭ ‬بطة‭)‬،‭ ‬وغنت‭ ‬وردة‭ ‬الجزائرية‭ (‬في‭ ‬يوم‭ ‬وليلة‭) ‬و‭ (‬بعمري‭ ‬كله‭ ‬حبيتك‭) ‬،‭ ‬والأهم،‭ ‬غنت‭ ‬له‭ ‬سيد‭ ‬مكاوي‭ ‬أغنيتي‭ ‬المفضلة‭ (‬خلي‭ ‬شوية‭ ‬عليك‭).‬

‭ ‬انتهت‭ (‬أيظن‭) ‬ولم‭ ‬تنته‭ ‬كآبتي‭ ‬بالطبع‭. ‬تحت‭ ‬الشمس‭ ‬كنت‭ ‬أفكر‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬عن‭ ‬مهرجان‭ ‬الجواهري‭ ‬مؤخرًا،‭ ‬والذي‭ ‬يبدو‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬اتحاد‭ ‬الأدباء‭ ‬قد‭ ‬تجاوز‭ ‬أزمته‭. ‬قلت‭: ‬يبدو‭. ‬وربما‭ ‬فكرت‭ ‬بانتخاب‭ ‬الشيخ‭ ‬نعيم‭ ‬أمينًا‭ ‬عامًا‭ ‬لحزبه‭ ‬نظرًا‭ ‬لأننا‭ ‬من‭ ‬عمر‭ ‬واحد‭. ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬النص‭ ‬كتب‭ ‬نفسه‭ ‬بنفسه‭. ‬وما‭ ‬أنا‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬إلا‭ ‬كاتب‭ ‬لنفسي،‭ ‬ولا‭ ‬أدري‭ ‬كيف‭ ‬سيكون‭ ‬حالي‭ ‬وحال‭ ‬من‭ ‬يشبهني‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الزمن،‭ ‬حيث‭ ‬كثر‭ ‬الشعراء‭ ‬وقل‭ ‬الشعر‭.‬


مشاهدات 60
الكاتب كامل عبدالرحيم
أضيف 2024/11/23 - 12:55 PM
آخر تحديث 2024/11/23 - 4:00 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 297 الشهر 9768 الكلي 10052912
الوقت الآن
السبت 2024/11/23 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير