كلام أبيض
ساعة في حديقة الحب
جليل وادي
مع كل المعاني السلبية التي أعطيت للحب، ومع كل الصور المشوهة التي رسمت عنه في المجتمعات المتخلفة التي تظن انها العارفة بكل شيء، الا ان الحب لم يتزحزح عن صدارته بين المشاعر، وهيمنته على الجميع بدون استثناء، المتخلفين منهم والمتنورين. المجتمعات المكبلة بالبالي من القيم لا ترضى لفتياتها العشق، وترى فيه رذيلة، وانتهاكا لشرفها حتى وان كان عشقا عذريا، بينما لا تعترض على الذكور في خوض غماره، شريف كان أم سفيه، يُراد به ان ينتهي الى تكوين أسرة ، ام لقضاء الوقت واللعب بالمشاعر، او غيره من أغراض الحب الرذيل.
ليسوا أسوياء مَنْ لا تدق قلوبهم للحب، والجميع عاش ذكورا واناثا هذه التجربة التي قليلها معلن وكثيرها خفي، ولو أُغلقت كل النوافذ والأبواب، فالحب يتسلل للفتيات من ثقوب الجدران على ضيقها، وتكذب من أنكرت ان فارس الأحلام لم يراود خيالها، هذه حقيقة لا يريد الآباء والاخوان الاقرار بها، المهم ألا تطرق حكاياتها أسماعهم، أي مجتمع هذا الذي يفرح الآباء فيه بعشق الأولاد، ويجرون السيوف من الأغماد اذا علموا بعشق الفتيات حتى وان كان الدم الذي يجري في شرايينه طاهرا، للأسف الشديد ثقافتنا متشنجة فجعلت من حب المرأة خنجرا مسموما يطعن بشرف العائلة والعشيرة، وترى غير ذلك في حب الرجال، هذه هي الذكورية بلحمها ودمها، وهذا هو التمييز بأبشع صوره. ثقافتنا متخلفة في الكثير من عناصرها، فهي لم تربط بين الشرف والاخلاص في العمل، او بين الشرف والنزاهة، او بينه والكذب، بل أوثقت رباط الشرف بالمرأة، وهذا ما تختلف به الأقوام المتحضرة عنا، فغير المخلص بعمله لا شرف له، ومَنْ يكذب يُحتقر، اما مَنْ يسرق فتلك طامة كبرى، بينما يضع سراقنا عيونهم بعيوننا بلا خجل، وبكامل الشرف وابتسامة عريضة يطلون علينا من الفضائيات.
ولأن الحب لدينا قبيح انثويا، وجميل ذكوريا، لذا نريد للحب الانثوي أن يشرق خارج أسوارنا ، وحذار أن يدنو من عتبات أبوابنا، لأنها موصدة بأثقل الأقفال وزنا.
ههههه، لا أدري ما سيفعل الآباء وقد امتطى الحب صهوة الواتساب والفيس بوك والانستغرام، وان خيول مواقع التواصل لا تعرف اللهاث أبدا، لم يعد العشاق ينتظرون ساعات لرؤية الحبيب من الشرفات او أسيجة السطوح. قبل خمسين عاما وربما أكثر اصطحبت حبيبتي التي تمكنتْ بصعوبة من الخروج معي الى حديقة عامة، وقبل أن نتبادل الهمسات واذا بالشرطي فوق رؤوسنا، وبعينين حمراوين طردنا، حمدت الله انه لم يتخذا اجراء آخر، أرجوكم كتمان هذا السر عن القيادة العامة، وأقصد زوجتي، لأنها لا تحاسبني على الحاضر فحسب، بل يمتد حسابها الى الماضي أيضا.
تتميع السلطة في بلداننا حتى مع البالي من القيم، لذا لم يحدث أن سمت متنزه بحديقة الحب، وهكذا هي المطاعم والكوفيات المشتركة، هكذا تسميات طاردة للعشاق لكونها لافتة للأنظار، فليس في تلك الأنظار سوى الشر اذا ما التفتت، ومع اني بلا حبيبة، لكني قضيت أكثر الأوقات بهجة في حديقة الحب بدولة قريبة، وفسروا الأمر على هواكم.
في مجتمعاتنا كلمة الحب لا تعني سوى العلاقة بين الجنسين، لا نريد للحب من هذا النوع الظهور للعلن، ولكي لا يُنحر على لوح العشيرة، تراه يخاتل ويراوغ، لكنه لا يستسلم أبدا، لا لشيء، بل لأنه جزء من تكوين البشر، والثقافات التي تتحداه مصيرها الهزيمة لا محالة.
نصفُ المجتمعات التي تشّيد للحب حدائق، وتخصص للعشاق ساحات وشوارعا بأنها مفككة، وأبعد ما تكون عن الشرف والأخلاق، ولكن ألا ترون معي انها الأبعد تحليقا في الفضاء، خلفتّنا وراءها نكابد المزمن من أمراضنا الاجتماعية، لا أدري لِمَ نحن مغرمون برسم الأسود والسيوف ونحت تماثيل لها، بينما لا أعشاش في عقولنا للحمام.
jwhj1963@yahoo.com