فاتح عبد السلام
عندما كان العراق يتباهى في عقود التسعينات والثمانيات والسبعينات بوجود نخبة من أشهر الأطباء والجراحين لديه وكانوا بأعداد كبيرة وفي مختلف التخصصات، كان أولئك النوابغ من نتاج الدورات التي تخرجت في عقد من الزمان قبل ذلك او عقدين في ابعد تقدير، سواء كان الأطباء تخرجوا في جامعات عراقية او في جامعات أوربية وبريطانية وامريكية. ذلك انَّ عشرين سنة هي مدة كبيرة وكافية لفرز النوابغ في الطب كما في مجالات أخرى.
في حال لم يكن للبلد كفاءات متمرسة توازي نوعاً وعدداً الحصيلة في العقود السابقة، يجب على الجهات المعنية في وزارة التعليم العالي ووزارة الصحة وسواهما ان تقف وقفة دراسة وتعقب للظاهرة بما يوفر حلولا وعلاجات والا كان هناك سيل عشوائي من الخريجيين الذين لا تسيطر عليه الصفة النوعية لتضبط مسيرتهم وتنمّي صفاتهم الطبية.
انّ انتشار المستشفيات الخاصة بأضعاف ما كان لدى العراق قبل عقدين من الزمن ليس دليلا على انتعاش القطاع الطبي أبداً، ذلك ان مسؤولية العناية والمراقبة لهذا القطاع تتضاعف هنا بسبب ارتباط تلك المستشفيات برؤوس أموال مستثمرين من خارج الدولة، والأخطر ارتباطها بتمويل من كبار الأطباء الذين تحولوا بأسعار المستشفيات الخاصة العالية الى تجار في هذا القطاع الإنساني الذي يطبع سمة النهضة على وجه اية أمة.
في السنوات العشرين الأخيرة انتشر في العالم
لاسيما في دول الجوار، الأطباء العراقيون الكبار، الذين كان بلدنا حاضنتهم والمُسهم الأول في تكوينهم وتميزهم.
لم تحدث مراجعة حقيقة في البلد للوقوف على أسباب تحول ارضنا الى بقعة طاردة للكفاءات العلمية والإنسانية عامة وليس الطبية، وجرى تعليق الأسباب على شماعة الظروف المضطربة اعقاب الحرب وظهور الإرهاب، ولم تقم معالجات جادة لوقف انهيارات نشهدها بوضوح لصالح اجندات الجهل والتجهيل وحشر المجتمع في زاوية استهلاك الظلاميات والهياكل الشكلية وايهام النفس بأن هذا هو العراق.
الأغلبية الساحقة من العراقيين حتى الفقراء منهم، حين يكابدون أزمة صحية معينة نراهم قد غادروا للعلاج في احدى دول الجوار التي لم تكن في تواريخها كلها قد انجبت أطباء أفضل مما انجبه العراق. لكن هذا هو حالنا الذي بات فيه ضخ اعداد الخريجيين بكثافة دليلا وهميا على التميز والنجاح.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية