الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الشاعر‭ ‬والبلاد‭ (‬20‭)‬

بواسطة azzaman

الشاعر‭ ‬والبلاد‭ (‬20‭)‬

حسن‭ ‬النواب

 

أول‭ ‬قرصنة‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬عدي‭ ‬بوصفهِ‭ ‬رئيس‭ ‬التجمع‭ ‬الثقافي‭ ‬هي‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬مؤسسة‭ ‬السينما‭ ‬والمسرح،‭ ‬ولما‭ ‬اعترض‭ ‬وزير‭ ‬الثقافة‭ ‬حامد‭ ‬يوسف‭ ‬حمادي‭ ‬ونشر‭ ‬مقالاً‭ ‬خجولاً‭ ‬في‭ ‬جريدة‭ ‬الثورة؛‭ ‬تحجَّجَ‭ ‬بهِ‭ ‬بحذرٍ‭ ‬من‭ ‬كون‭ ‬بناية‭ ‬السينما‭ ‬والمسرح‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬ترميم‭ ‬وطلاء،‭ ‬أجابه‭ ‬ابن‭ ‬الرئيس‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬جريدته‭ ‬بابل‭ ‬بمقال‭ ‬وقح‭ ‬قال‭ ‬فيه‭:‬

‭- ‬سنرمِّمُ‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬ونطلي‭ ‬القديم‭ ‬من‭ ‬جدرانها‭.‬

بإشارة‭ ‬واضحة‭ ‬إلى‭ ‬أنَّ‭ ‬دور‭ ‬الحرس‭ ‬القديم‭ ‬قد‭ ‬انتهى‭ ‬وما‭ ‬عاد‭ ‬ينفع‭ ‬مع‭ ‬تطلعات‭ ‬الرئيس‭ ‬والحزب‭ ‬والثورة؛‭ ‬وهكذا‭ ‬صارت‭ ‬بناية‭ ‬السينما‭ ‬والمسرح‭ ‬خلال‭ ‬أيام‭ ‬مقرَّاً‭ ‬للتجمع‭ ‬الثقافي‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬نائبه‭ ‬الأول‭ ‬ملحنَّاً‭ ‬معروفاً‭ ‬هو‭ ‬الفنان‭ ‬فاروق‭ ‬هلال؛‭ ‬فيما‭ ‬أصبح‭ ‬نائبه‭ ‬الثاني‭ ‬شاعراً‭ ‬يكتب‭ ‬القصيدة‭ ‬العمودية‭ ‬هو‭ ‬رعد‭ ‬بندر‭.  ‬عمَّتْ‭ ‬الفوضى‭ ‬وارتبكتْ‭ ‬أعمدة‭ ‬الثقافة‭ ‬العراقية‭ ‬من‭ ‬رأسها‭ ‬حتى‭ ‬أخمص‭ ‬قدميها‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الحصار‭ ‬القاسي؛‭ ‬ومنهم‭ ‬مالك‭ ‬ابن‭ ‬الريب‭ ‬الشاعر‭ ‬يوسف‭ ‬الصائغ‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬المدير‭ ‬العام‭ ‬للسينما‭ ‬والمسرح؛‭ ‬إذْ‭ ‬ما‭ ‬عاد‭ ‬يعرف‭ ‬أين‭ ‬أصبح‭ ‬مكتبه‭ ‬في‭ ‬بناية‭ ‬السينما‭ ‬والمسرح؟‭ ‬فيما‭ ‬تمَّتْ‭ ‬إقالة‭ ‬كبار‭ ‬الشعراء‭ ‬من‭ ‬مناصبهم‭ ‬في‭ ‬الصحف‭ ‬وباتوا‭ ‬يجلسون‭ ‬على‭ ‬رصيف‭ ‬بقرب‭ ‬كشك‭ ‬صغير‭ ‬للبعثي‭ ‬المتشدِّد‭ ‬مؤيد‭ ‬عبد‭ ‬القادر؛‭ ‬وهم‭ ‬يبيعونَ‭ ‬سرَّاً‭ ‬بين‭ ‬أسبوع‭ ‬وآخر‭ ‬حاجة‭ ‬ثمينة‭ ‬من‭ ‬مقتنيات‭ ‬منازلهم‭ ‬لسدِّ‭ ‬رمقهم،‭ ‬بينما‭ ‬في‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬تصاعدت‭ ‬بشكل‭ ‬لافت‭ ‬أغاني‭ ‬المطربين‭ ‬المراهقين‭ ‬في‭ ‬تلفزيون‭ ‬الشباب؟‭ ‬في‭ ‬مشهد‭ ‬دراماتيكي‭ ‬لم‭ ‬يصدقه‭ ‬الناس؛‭ ‬واشتهرت‭ ‬أغنية‭ ‬هيثم‭ ‬يوسف‭ ‬‮«‬يا‭ ‬ناس‭ ‬رحموا‭ ‬بحالي‮»‬‭ ‬كالنار‭ ‬في‭ ‬الهشيم‭.  ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفوضى‭ ‬العجيبة‭ ‬صدر‭ ‬أمراً‭ ‬عاجلاً‭ ‬بإناطة‭ ‬مسؤولية‭ ‬تحرير‭ ‬الصفحات‭ ‬الثقافية‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الجرائد‭ ‬الحكومية‭ ‬لزمرة‭ ‬من‭ ‬الأدباء‭ ‬الشباب‭ ‬بعضهم‭ ‬كان‭ ‬مقرَّباً‭ ‬من‭ ‬دائرة‭ ‬ابن‭ ‬الرئيس،‭ ‬فأصبح‭ ‬خالد‭ ‬مطلك‭ ‬على‭ ‬ثقافية‭ ‬الجمهورية‭ ‬ومحمد‭ ‬تركي‭ ‬النصار‭ ‬ثم‭ ‬جواد‭ ‬الحطاب‭ ‬على‭ ‬ثقافية‭ ‬الثورة‭ ‬وسعد‭ ‬جاسم‭ ‬ثم‭ ‬عبد‭ ‬الستار‭ ‬البيضاني‭ ‬على‭ ‬ثقافية‭ ‬العراق‭ ‬والمترجم‭ ‬أحمد‭ ‬حميد‭ ‬ثم‭ ‬محمد‭ ‬مزيد‭ ‬على‭ ‬ثقافية‭ ‬القادسية؛‭ ‬فيما‭ ‬أصبح‭ ‬عبد‭ ‬الزهرة‭ ‬زكي‭ ‬مع‭ ‬وسام‭ ‬هاشم‭ ‬على‭ ‬ثقافية‭ ‬جريدة‭ ‬بابل؛‭ ‬وكما‭ ‬هو‭ ‬واضح‭ ‬غدتْ‭ ‬الثقافة‭ ‬العراقية‭ ‬تحت‭ ‬سطوة‭ ‬التجمع‭ ‬الثقافي‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الحين‭. ‬وصار‭ ‬النشر‭ ‬عشوائياً‭ ‬بشكل‭ ‬لا‭ ‬يصدق‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الصحف،‭ ‬حتى‭ ‬أنَّ‭ ‬جريدة‭ ‬ابن‭ ‬الرئيس‭ ‬أصدرت‭ ‬ملحقاً‭ ‬ثقافياً‭ ‬بأربع‭ ‬صفحات‭ ‬يومياً‭ ‬وراحتْ‭ ‬تنشر‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬هبَّ‭ ‬ودبْْ‭ ‬في‭ ‬براري‭ ‬الثقافة‭ ‬العراقية؛‭ ‬لكن‭ ‬والحق‭ ‬يقال‭ ‬نتيجة‭ ‬هذا‭ ‬الانفتاح‭ ‬انتعشتْ‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬ونشرتْ‭ ‬جريدة‭ ‬بابل‭ ‬نصوصاً‭ ‬في‭ ‬منتهى‭ ‬الجرأة‭ ‬منها‭ ‬قصيدة‭ ‬السيطرات‭ ‬التي‭ ‬كتبها‭ ‬صديق‭ ‬الغجري،‭ ‬وتناولها‭ ‬بالنقد‭ ‬علي‭ ‬الفواز‭ ‬وعلي‭ ‬عبد‭ ‬الأمير‭. ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المناخ‭ ‬الغريب‭ ‬والمضطرب‭ ‬أقيمت‭ ‬انتخابات‭ ‬اتحاد‭ ‬الأدباء‭ ‬مع‭ ‬سريان‭ ‬إشاعة‭ ‬مفادها‭ ‬أنَّ‭ ‬جميع‭ ‬الأدباء‭ ‬سيقبضون‭ ‬راتباً‭ ‬شهرياً‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الرئيس‭. ‬جرتْ‭ ‬تلك‭ ‬الانتخابات‭ ‬في‭ ‬قاعة‭ ‬المهندسين‭ ‬الزراعيين،‭ ‬وكان‭ ‬صديق‭ ‬الغجري‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬يحتسي‭ ‬ابنة‭ ‬الكروم‭ ‬مع‭ ‬جان‭ ‬دمو‭ ‬وكزار‭ ‬حنتوش‭ ‬في‭ ‬حانة‭ ‬مبتذلة‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬أزقة‭ ‬الميدان،‭ ‬حتى‭ ‬أقبل‭ ‬أحد‭ ‬أترابهم‭ ‬من‭ ‬الصعاليك‭ ‬وحفَّزهم‭ ‬للاشتراك‭ ‬في‭ ‬الانتخابات؛‭ ‬تحمَّسَ‭ ‬للفكرة‭ ‬صديق‭ ‬الغجري‭ ‬مع‭ ‬الحنتوش؛‭ ‬فيما‭ ‬صرخ‭ ‬جان‭ ‬دمو‭ ‬بهما‭ ‬متذمِّراً‭:‬

‭- ‬ما‭ ‬فرقكما‭ ‬عن‭ ‬الحمار؟

وانصرف‭ ‬غاضباً‭ ‬من‭ ‬الحانة؛‭ ‬بينما‭ ‬ذهب‭ ‬صديق‭ ‬الغجري‭ ‬مع‭ ‬كزار‭ ‬إلى‭ ‬قاعة‭ ‬المهندسين‭ ‬الزراعيين؛‭ ‬وهناك‭ ‬كان‭ ‬الوضع‭ ‬متوتراً‭ ‬ومشحونًا؛‭ ‬كل‭ ‬رجالات‭ ‬الثقافة‭ ‬من‭ ‬الحرس‭ ‬القديم‭ ‬كانوا‭ ‬حاضرين‭ ‬بما‭ ‬فيهم‭ ‬رئيس‭ ‬الاتحاد‭ ‬عبد‭ ‬الأمير‭ ‬معلَّة‭ ‬الذي‭ ‬أيقن‭ ‬أنَّ‭ ‬عرش‭ ‬ولاية‭ ‬الأدباء‭ ‬سيُنتزع‭ ‬منهُ‭ ‬قسراً‭ ‬بعد‭ ‬ساعات‭. ‬بدأت‭ ‬الترشيحات؛‭ ‬وكانت‭ ‬المفاجأة‭ ‬المدويَّة‭ ‬حين‭ ‬رشَّحَ‭ ‬كزار‭ ‬حنتوش‭ ‬نفسهُ‭ ‬على‭ ‬منصب‭ ‬رئيس‭ ‬الاتحاد‭ ‬منافساً‭ ‬لرعد‭ ‬بندر‭ ‬وخزعل‭ ‬الماجدي،‭ ‬فضجَّتْ‭ ‬القاعة‭ ‬بالتأييد؛‭ ‬فيما‭ ‬اقترب‭ ‬عباس‭ ‬الجنابي‭ ‬سكرتير‭ ‬ابن‭ ‬الرئيس‭ ‬طالباً‭ ‬من‭ ‬الحنتوش‭ ‬سحب‭ ‬ترشيحه‭ ‬على‭ ‬رئاسة‭ ‬الاتحاد‭ ‬فأجابهُ‭ ‬كزار‭ ‬بشكل‭ ‬قاطع‭:‬

‭- ‬أنا‭ ‬رشَّحتْ‭ ‬لرئاسة‭ ‬الاتحاد؛‭ ‬ولنْ‭ ‬أتراجع‭ ‬عن‭ ‬قراري‭.‬

اقترح‭ ‬الجنابي‭ ‬عليه‭:‬

‭- ‬سيكون‭ ‬فوزك‭ ‬مؤكَّداً‭ ‬لو‭ ‬رشَّحتَ‭ ‬للمجلس‭ ‬المركزي‭.‬

‭ ‬ردَّ‭ ‬الحنتوش‭ ‬بإصرار‭:‬

‭- ‬لقد‭ ‬رشَّحت‭ ‬لرئاسة‭ ‬الإتحاد‭ ‬وانتهى‭ ‬الأمر‭.‬

‭ ‬وهكذا‭ ‬صار‭ ‬أمام‭ ‬الناخبين‭ ‬رعد‭ ‬بندر‭ ‬وخزعل‭ ‬الماجدي‭ ‬والشاعر‭ ‬القروي‭ ‬كزار‭ ‬حنتوش‭ ‬كمرشحين‭ ‬لرئاسة‭ ‬الإتحاد،‭ ‬لكنَّ‭ ‬الغريب‭ ‬أنَّ‭ ‬الدكتور‭ ‬ضياء‭ ‬خضير‭ ‬ألقى‭ ‬خطبةً‭ ‬جريئةً‭ ‬بالحاضرين‭ ‬عندما‭ ‬أعلن‭ ‬عن‭ ‬ترشيحه‭ ‬لرئاسة‭ ‬الاتحاد‭ ‬قال‭ ‬فيها‭:‬

‭- ‬سأعيد‭ ‬إلى‭ ‬اتحاد‭ ‬الأدباء‭ ‬هيبتهُ‭. ‬

لكنَّهُ‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬انسحب‭ ‬عن‭ ‬الترشيح‭ ‬بعد‭ ‬نصيحةٍ‭ ‬من‭ ‬رفاقه‭ ‬البعثيين‭. ‬بالوقت‭ ‬الذي‭ ‬زفَّ‭ ‬الشاعر‭ ‬وسام‭ ‬هاشم‭ ‬نبأ‭ ‬مكرمة‭ ‬الرئيس‭ ‬السخية‭ ‬التي‭ ‬سيحصل‭ ‬عليها‭ ‬جميع‭ ‬الأدباء‭ ‬من‭ ‬اللجنة‭ ‬الأولمبية‭ ‬كمنحة‭ ‬مادية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شهر‭. ‬بدأ‭ ‬الأدباء‭ ‬يقترعون‭ ‬بأصواتهم؛‭ ‬بعد‭ ‬ساعة‭ ‬انسحب‭ ‬كزار‭ ‬مع‭ ‬صديق‭ ‬الغجري‭ ‬الذي‭ ‬رشَّح‭ ‬نفسه‭ ‬لعضوية‭ ‬المجلس‭ ‬المركزي‭ ‬إلى‭ ‬نادي‭ ‬الأدباء‭. ‬وفي‭ ‬ساعة‭ ‬متأخرة‭ ‬من‭ ‬الليل‭ ‬أقبل‭ ‬الشاعر‭ ‬حميد‭ ‬قاسم‭ ‬ليخبر‭ ‬صديق‭ ‬الغجري‭ ‬عن‭ ‬فوزهما‭ ‬معاً‭ ‬بالانتخابات‭ ‬وقد‭ ‬صادق‭ ‬القاضي‭ ‬على‭ ‬أسماء‭ ‬الفائزين؛‭ ‬ثُمَّ‭ ‬أخبرهُ‭ ‬بضرورة‭ ‬تجهيز‭ ‬هندامه؛‭ ‬إذْ‭ ‬سيلتقي‭ ‬عدي‭ ‬بالأدباء‭ ‬الفائزين‭ ‬في‭ ‬اللجنة‭ ‬الأولمبية‭ ‬في‭ ‬الساعة‭ ‬التاسعة‭ ‬صباحاً؛‭ ‬اختلط‭ ‬في‭ ‬رأس‭ ‬صديق‭ ‬الغجري‭ ‬الغزل؛‭ ‬وكان‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬مغادرة‭ ‬الجلسة‭ ‬ليستحم‭ ‬على‭ ‬أقل‭ ‬تقدير‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يستنشق‭ ‬نجل‭ ‬الرئيس‭ ‬رائحته‭ ‬المزعجة‭ ‬وتحل‭ ‬الكارثة‭ ‬على‭ ‬رأسه‭.‬

 


مشاهدات 27
الكاتب حسن‭ ‬النواب
أضيف 2024/07/01 - 4:42 PM
آخر تحديث 2024/07/01 - 7:15 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 332 الشهر 332 الكلي 9362404
الوقت الآن
الإثنين 2024/7/1 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير