الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الشاعر‭ ‬والبلاد‭ ‬‭(‬14‭)‬

بواسطة azzaman

الشاعر‭ ‬والبلاد‭ ‬‭(‬14‭)‬

حسن‭ ‬النواب

 

لما‭ ‬عادا‭ ‬إلى‭ ‬الفندق؛‭ ‬عرف‭ ‬صديق‭ ‬الغجري‭ ‬أنَّ‭ ‬أنباء‭ ‬الجلسة‭ ‬الشعرية‭ ‬العاصفة‭ ‬قد‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬مسامع‭ ‬المسؤولين،‭ ‬فيما‭ ‬كانت‭ ‬رائحة‭ ‬العرق‭ ‬المحلي‭ “‬الفل‭” ‬تفوح‭ ‬من‭ ‬الغرفة‭ ‬714‭ ‬وتنتشر‭ ‬في‭ ‬رواق‭ ‬الطابق‭ ‬السابع‭ ‬بشكلٍ‭ ‬سافرٍ؛‭ ‬حدَّ‭ ‬أنَّ‭ ‬المقيمين‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الطابق‭ ‬كانوا‭ ‬يضعون‭ ‬أكفهم‭ ‬على‭ ‬أنوفهم‭ ‬تفادياً‭ ‬من‭ ‬استنشاق‭ ‬الرائحة‭ ‬الكريهة؛‭ ‬فتوقعوا‭ ‬طردهم‭ ‬من‭ ‬المكان‭ ‬عاجلاً‭ ‬أم‭ ‬آجلاً؛‭ ‬إذْ‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬المعقول‭ ‬أنْ‭ ‬يكون‭ ‬الوضع‭ ‬بهذا‭ ‬السوء‭ ‬وفي‭ ‬فندق‭ ‬الشيراتون‭ ‬الذي‭ ‬يزهو‭ ‬بحلَّتهِ‭ ‬القشيبة‭. ‬المعضلة‭ ‬التي‭ ‬واجهتهم‭ ‬هي‭ ‬أنَّ‭ ‬المانعي‭ ‬كان‭ ‬ينتعلُ‭ ‬خفَّاً‭ ‬وليس‭ ‬حذاءًً‭ ‬وأصرَّتْ‭ ‬إدارة‭ ‬الفندق‭ ‬على‭ ‬إبعاده؛‭ ‬فجمع‭ ‬الصعاليك‭ ‬نقوداً‭ ‬حتى‭ ‬يشتري‭ ‬حذاءً‭ ‬ويبقى‭ ‬معهم‭. ‬كانوا‭ ‬في‭ ‬الغرفة‭ ‬قلقين‭ ‬كأنَّهم‭ ‬يجلسون‭ ‬فوق‭ ‬كف‭ ‬عفريت؛‭ ‬حتى‭ ‬وصلتهم‭ ‬توصية‭ ‬لؤي‭ ‬حقي‭ ‬رئيس‭ ‬المهرجان‭ ‬وهو‭ ‬ابن‭ ‬الرئيس‭ ‬الثالث؛‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يُطلق‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الناس،‭ ‬وصلت‭ ‬توصيتهُ‭ ‬حازمة‭ ‬إلى‭ ‬مسامع‭ ‬إدارة‭ ‬الفندق‭:‬

‭- ‬دعوهم‭ ‬يسكرون؛‭ ‬فبعد‭ ‬أيام‭ ‬سيرجعون‭ ‬إلى‭ ‬الجبهات‭ ‬وإلى‭ ‬طرقات‭ ‬الحرمان‭. ‬

الواقع‭ ‬أنَّ‭ ‬هذه‭ ‬التوصية‭ ‬الثمينة‭ ‬لم‭ ‬تصل‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬لطائفة‭ ‬الصعاليك؛‭ ‬ولكن‭ ‬أشاعها‭ ‬رعيته‭  ‬من‭ ‬الشعراء،‭ ‬لكنَّ‭ ‬الصعاليك‭ ‬شعروا‭ ‬باهتمام‭ ‬إدارة‭ ‬المهرجان‭ ‬بهم،‭ ‬إذْ‭ ‬صار‭ ‬الطعام‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬الغرفة،‭ ‬لأنَّ‭ ‬كزار‭ ‬حنتوش‭ ‬يرفض‭ ‬النزول‭ ‬لتناول‭ ‬الطعام‭ ‬في‭ ‬مطعم‭ ‬الفندق‭ ‬بسبب‭ ‬هندامه؛‭ ‬بالوقت‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬الكاتب‭ ‬الصحفي‭ ‬الأبهق‭ ‬يتحين‭ ‬الفرصة‭ ‬لمعاتبة‭ ‬عدنان‭ ‬الصائغ‭ ‬على‭ ‬عاموده‭ ‬الصحفي‭ ‬الذي‭ ‬كتبه‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬حراس‭ ‬الوطن‭ ‬والذي‭ ‬ناشد‭ ‬بسطوره‭ ‬حماية‭ ‬الأديب‭ ‬من‭ ‬الغرباء‭ ‬الذين‭ ‬يدخلون‭ ‬الى‭ ‬نادي‭ ‬الأدباء،‭ ‬بعد‭ ‬أنْ‭ ‬تعرَّض‭ ‬أحد‭ ‬الأفيال‭ ‬الشعرية‭ ‬إلى‭ ‬طعنات‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الصحفي‭ ‬الأبهق‭ ‬في‭ ‬باب‭ ‬الاتحاد؛‭ ‬بسبب‭ ‬تطاول‭ ‬ذلك‭ ‬الفيل‭ ‬الشعري‭ ‬بكلام‭ ‬سخيف‭ ‬ومغرض‭ ‬على‭ ‬الأدباء‭ ‬الهاربين‭ ‬من‭ ‬الحرب؛‭ ‬وانتهى‭ ‬المهرجان‭ ‬بسلام؛‭ ‬فيما‭ ‬صار‭ ‬صديق‭ ‬الغجري‭ ‬يرافق‭ ‬كزار‭ ‬حنتوش‭ ‬كلما‭ ‬هبط‭ ‬من‭ ‬جبهة‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬إجازة؛‭ ‬وقد‭ ‬استرعى‭ ‬انتباهه‭ ‬أنًّ‭ ‬كزار‭ ‬لا‭ ‬يتعرَّق‭ ‬أبداً‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬الساعة‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬انتصاف‭ ‬النهار‭ ‬في‭ ‬عزِّ‭ ‬صيف،‭ ‬فسألهُ‭ ‬بفضول‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬وكان‭ ‬ردَّه‭ ‬غريباً‭: ‬

‭- ‬جلدي‭ ‬بدوي‭ ‬لأني‭ ‬لا‭ ‬استحم‭ ‬إلاَّ‭ ‬نادراً‭. ‬

بينما‭ ‬كان‭ ‬صديق‭ ‬الغجري‭ ‬لا‭ ‬يتخلَّى‭ ‬عن‭ ‬منديله‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬موسم‭ ‬الشتاء؛‭ ‬كأنَّ‭ ‬هناك‭ ‬حنفية‭ ‬مزروعة‭ ‬تحت‭ ‬جلده‭ ‬تنزُّ‭ ‬العرق،‭ ‬فأخبرهُ‭ ‬كزار‭ ‬كمن‭ ‬ينصحهُ‭: ‬

‭- ‬لأنَّ‭ ‬جلدك‭ ‬رقيق؛‭ ‬يطلقُ‭ ‬العرق‭ ‬بغزارة‭. ‬

ولذا‭ ‬قرر‭ ‬صديق‭ ‬الغجري‭ ‬ألاَّ‭ ‬يستحم‭ ‬عسى‭ ‬أنْ‭ ‬تغلق‭ ‬مسامات‭ ‬جلده‭ ‬ويتخلَّص‭ ‬من‭ ‬نزيف‭ ‬العرق‭ ‬الذي‭ ‬يزعجه‭ ‬ويربكه‭ ‬أمام‭ ‬الآخرين‭. ‬لكنهما‭ ‬ذات‭ ‬شتاء‭ ‬عزما‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬حمَّام‭ ‬شعبي؛‭ ‬وكانت‭ ‬مناسبة‭ ‬الاستحمام‭ ‬لحضور‭ ‬أمسية‭ ‬للشاعر‭ ‬يوسف‭ ‬الصائغ‭ ‬أقامها‭ ‬منتدى‭ ‬الأدباء‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬الفنون‭ ‬الكائن‭ ‬بشارع‭ ‬حيفا،‭ ‬تمكنا‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬الأمسية‭ ‬بالوقت‭ ‬المناسب،‭ ‬كانت‭ ‬القاعة‭ ‬ممتلئة‭ ‬بالحاضرين‭ ‬تتقدمهم‭ ‬الفنانة‭ ‬ليلى‭ ‬العطار‭ ‬بعينيها‭ ‬البدويتين‭ ‬الغارقتين‭ ‬بالكحل‭ ‬وهي‭ ‬ترتدي‭ ‬الساري‭ ‬الهندي‭ ‬بلونه‭ ‬الذهبي‭ ‬الذي‭ ‬أضفى‭ ‬على‭ ‬طلعتها‭ ‬الفاتنة‭ ‬سحراً‭ ‬مثيراً،‭ ‬وكان‭ ‬الاتفاق‭ ‬الذي‭ ‬أبرم‭ ‬قبل‭ ‬يومين‭ ‬مع‭ ‬رئيس‭ ‬منتدى‭ ‬الأدباء‭ ‬الشباب‭ ‬خالد‭ ‬مطلك‭ ‬أنْ‭ ‬يقدم‭ ‬الأمسية‭ ‬الشاعر‭ ‬كزار‭ ‬حنتوش،‭ ‬لكنَّ‭ ‬الوجوه‭ ‬التي‭ ‬استقبلتهما‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬القاعة‭ ‬كانت‭ ‬متجهمة؛‭ ‬وشعر‭ ‬الحنتوش‭ ‬أنَّ‭ ‬هناك‭ ‬محاولة‭ ‬خبيثة‭ ‬لإبعاده‭ ‬عن‭ ‬تقديم‭ ‬الأمسية؛‭ ‬وقدْ‭ ‬اتَّخذ‭ ‬الشاعر‭ ‬يوسف‭ ‬الصائغ‭ ‬محله‭ ‬خلف‭ ‬طاولة‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬القاعة،‭ ‬فجأة‭ ‬هبَّ‭ ‬كزار‭ ‬من‭ ‬مقعده‭ ‬وأغار‭ ‬حانقاً‭ ‬نحو‭ ‬الصائغ‭ ‬وبصوت‭ ‬صارم‭ ‬قال‭ ‬كمن‭ ‬يأمره‭: ‬

‭- ‬أبو‭ ‬مريم؛‭ ‬أنا‭ ‬من‭ ‬يقدمك‭ ‬بهذه‭ ‬الأمسية‭.‬

لبث‭ ‬الصائغ‭ ‬ينظر‭ ‬بعينين‭ ‬باسمتين‭ ‬نحوه‭ ‬ولم‭ ‬ينبس‭ ‬بكلمة،‭ ‬فيما‭ ‬أردف‭ ‬كزار‭:‬

‭- ‬أما‭ ‬يكفي‭ ‬أني‭ ‬تحمَّمتُ‭ ‬حتى‭ ‬أكون‭ ‬أنيقاً‭ ‬لأجلك‭.‬

ضحك‭ ‬الشاعر‭ ‬الصائغ‭ ‬من‭ ‬أعماق‭ ‬وجدانه‭ ‬وقلبه‭ ‬وقال‭:‬

‭- ‬ولن‭ ‬أقبل‭ ‬بسواك‭ ‬عريفاً‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأمسية‭.‬

كان‭ ‬كزار‭ ‬بصحو‭ ‬تام‭ ‬وقد‭ ‬أبهر‭ ‬الحاضرين‭ ‬بتقديمه‭ ‬العفوي‭ ‬الشفاف‭ ‬الذي‭ ‬شنف‭ ‬مسامع‭ ‬الجميع‭ ‬لرقَّة‭ ‬عذوبته‭ ‬المتدفقة‭ ‬كعسل‭ ‬مختوم‭ ‬من‭ ‬خلية‭ ‬رأسه‭ ‬المزدحمة‭ ‬بالصهيل‭ ‬والغناء‭ ‬والبكاء‭ ‬والألم؛‭ ‬فيما‭ ‬كانت‭ ‬الفنانة‭ ‬ليلى‭ ‬العطار‭ ‬مأخوذة‭ ‬بحضور‭ ‬كزار‭ ‬الذي‭ ‬استحوذ‭ ‬على‭ ‬مشاعرها‭ ‬حين‭ ‬قال‭:‬

‭- ‬كم‭ ‬أنت‭ ‬محظوظ‭ ‬يا‭ ‬صديقي‭ ‬أبا‭ ‬مريم؛‭ ‬فقد‭ ‬حضرت‭ ‬حورية‭ ‬من‭ ‬الجنَّة‭ ‬لتسمع‭ ‬شعرك‭.‬

 


مشاهدات 212
الكاتب حسن‭ ‬النواب
أضيف 2024/05/13 - 4:44 PM
آخر تحديث 2024/06/29 - 10:37 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 349 الشهر 11473 الكلي 9362010
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير