حسن النواب
بعد سماع صديق الغجري نبأ موافقة وزارة الثقافة على إقامة ملتقى الشعر الثمانيني من رئيس منتدى الأدباء الشباب خالد مطلك؛ اقترح عليه على الفور أنْ يضع بيده طلباً إلى جريدة العراق التي كان يعمل فيها كمصحح حتى تمنحنهم مساحة من الجريدة لتغطية أيام الملتقى، وتمكَّن صديق الغجري من إقناع رئيس التحرير نصر الله الداوودي الذي كان يتعاطف مع صعلكته وخصص صفحة كاملة وأناط لهُ مهمة الإشراف على تحريرها وتغطية الجلسات الشعرية طيلة أيام الملتقى؛ كما ساهمت جريدة الجمهورية بإصدار نصف صفحة عن فعاليات هذه التظاهرة الشعرية الهامَّة؛ وأقيم ملتقى الشعر الثمانيني في قاعة قصر الثقافة والفنون على مدى ثلاثة أيام مع ضيافة لشعراء المحافظات في فندق بغداد. اشترك في الملتقى أكثر من مئة شاعر ثمانيني مع جلسات نقدية في كل يوم لكبار النقاد العراقيين وحضور أهم شعراء السبعينيات والستينيات أيضاً، وفي اليوم الثاني من الملتقى صعد الشاعر الغجري نصيف الناصري إلى المنصة وقرأ نصَّاً نثريَّاً صادماً بعنوان «قصيدة عن عبقرية وحياة حسن النواب المقدسة والشجية»، جاء في مقطع منها:
« الكتب لا تصنع الشاعر؛ يتقدَّس الشاعر كلما تقدَّم في الإثم. كانت لحسن النواب في عام 1983 لحية ذهبية طولها ثلاثة أمتار، لكنهُ حلقها قرباناً لامرأة أحبها. أحييك يا نمري الفاسق، سائق الدبابة وفارس أحلام المعلمات، دعهم ينعمون في بحبوحة المناصب والرواتب، أولاد البحبوحات؛ والصعاليك منهمكين بأداء صلواتهم الشعرية.»
أثارت قصيدة الغجري لغطاً في داخل القاعة وكان من المستمعين لها الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد الذي أخذ يهزُّ برأسه احتجاجاً على بعض سطورها وعلى محيَّاه ابتسامة ساخطة؛ فيما ضجَّتْ القاعة بالضحك والتصفيق. انتهى ملتقى الشعر الثمانيني بنجاح ساحق، جعل المؤسسة الثقافية تنظر بعين الجد والاعتبار لمشاريع منتدى الأدباء الشباب المستقبلية؛ فأقام المنتدى ملتقى للقصة وحقَّقَ نجاحاً لافتاً أيضاً؛ وفي مبادرة رائعة ذهب الأدباء لزيارة زميلهم القاص حامد الموسوي في مشفى الرشاد؛ إذ كان يعالج من الجنون الذي أصابه في ذلك الوقت وظلَّ ملازماً لهُ حتى دعسته عجلة همر بعد دخول الأمريكان إلى البلاد. تصاعدت وتيرة منجزات الأنشطة الثقافية التي أقامها المنتدى مع صدور مجلة «أسفار» من جديد ولكن بشكل طباعي متواضع بسبب الحصار؛ كما قدَّم المنتدى مسرحية السرداب التي كتبها وأخرجها الفنان عبد الأمير شمخي واشترك في تمثيلها نخبة من الفنانين العراقيين المعروفين يقف في مقدمتهم مقداد عبد الرضا والذي انسحب من العمل فيما بعد لأسباب شخصية. كانت المسرحية تتحدث عن حياة الشعراء الصعاليك وبطرح لا يخلو من المغامرة والجرأة واستمر عرض المسرحية لأسابيع على مسرح المنصور. بعد مرور سنة وشهور على حياة منتدى الأدباء الشباب؛ وصل إلى المنتدى بريد عاجل من اللجنة الأولمبية يقترح به إلغاء منتدى الأدباء الشباب فوراً، لأنَّ هناك مُسمَّى ثقافي سينبثق قريباً ويضمُّ تحت جناحيه جميع المنظمات الثقافية والفنية. لم يكن الأمر بسيطاً وشكَّل صدمة مباغتة للأدباء الشباب، إذْ لا بد من اجتماع الهيئة العامة حتى يتم التصويت بنسبة الأغلبية على قرار إلغاء المنتدى. وحدث أنْ استدعى عدي النجل الأكبر للرئيس أعضاء المكتب التنفيذي للمنتدى لاجتماع في اللجنة الأولمبية لكن رئيس المنتدى عمدَ على عدم حضور صديق الغجري والقاص صلاح زنكنه بين الحاضرين لأسباب غامضة. منح عدي كل فرد في ذلك اللقاء ثلاثة آلاف دينار مقابل التنازل عن المنتدى؛ واستلموا المبلغ بطيب خاطر خاصة وأن ذلك المبلغ كان يشكِّلُ مورد عيش معتبر في ذلك الحصار المذل. بعد أيام حضرت الهيئة العامة للأدباء الشباب إلى مسرح الرشيد وقد ملأوا مقاعد القاعة بينما جلس موفد ابن الرئيس خلف منصة أنيقة على المسرح وطلب من رئيس المنتدى الذي كان يجلس بجواره المباشرة بأعمال المؤتمر بمسرحية مفضوحة. تحدَّث خالد مطلك بكلمات قليلة شابها الحزن محاولاً جبر خواطر الأدباء الشباب المهشَّمة؛ ثم أعلن عن حل المنتدى طالباً من الحاضرين التصويت على هذا القرار ورفع يده بصعوبة دلالة الموافقة والدمع يلمعُ في عينيه؛ رفع الحاضرون من الأدباء الشباب أكفَّهم تأييداً لذلك القرار وهم يبصرون اغتيال منتداهم أمام انظارهم؛ لكن الذي لا ينساهُ صديق الغجري مشهد الشاعر عامر عبد الأمير الذي رفع يده وانخرط ببكاء حاد سمعتهُ اللجنة الاولمبية ورئيسها أيضاً، وهكذا تم ذبح عنق ذلك المنتدى بأكف الشعراء أنفسهم. بعد مضي يومين أعلنت اللجنة الأولمبية عن مُسمَّى جديد هو التجمع الثقافي في العراق.