الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الشاعر‭ ‬والبلاد‭ ‬‭(‬19‭)‬

بواسطة azzaman

الشاعر‭ ‬والبلاد‭ ‬‭(‬19‭)‬

حسن‭ ‬النواب

 

بعد‭ ‬سماع‭ ‬صديق‭ ‬الغجري‭ ‬نبأ‭ ‬موافقة‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬على‭  ‬إقامة‭ ‬ملتقى‭ ‬الشعر‭ ‬الثمانيني‭ ‬من‭ ‬رئيس‭ ‬منتدى‭ ‬الأدباء‭ ‬الشباب‭ ‬خالد‭ ‬مطلك؛‭ ‬اقترح‭ ‬عليه‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬أنْ‭ ‬يضع‭ ‬بيده‭ ‬طلباً‭ ‬إلى‭ ‬جريدة‭ ‬العراق‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يعمل‭ ‬فيها‭ ‬كمصحح‭ ‬حتى‭ ‬تمنحنهم‭ ‬مساحة‭ ‬من‭ ‬الجريدة‭ ‬لتغطية‭ ‬أيام‭ ‬الملتقى،‭ ‬وتمكَّن‭ ‬صديق‭ ‬الغجري‭ ‬من‭ ‬إقناع‭ ‬رئيس‭ ‬التحرير‭ ‬نصر‭ ‬الله‭ ‬الداوودي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يتعاطف‭ ‬مع‭ ‬صعلكته‭ ‬وخصص‭ ‬صفحة‭ ‬كاملة‭ ‬وأناط‭ ‬لهُ‭ ‬مهمة‭ ‬الإشراف‭ ‬على‭ ‬تحريرها‭ ‬وتغطية‭ ‬الجلسات‭ ‬الشعرية‭ ‬طيلة‭ ‬أيام‭ ‬الملتقى؛‭ ‬كما‭ ‬ساهمت‭ ‬جريدة‭ ‬الجمهورية‭ ‬بإصدار‭ ‬نصف‭ ‬صفحة‭ ‬عن‭ ‬فعاليات‭ ‬هذه‭ ‬التظاهرة‭ ‬الشعرية‭ ‬الهامَّة؛‭ ‬وأقيم‭ ‬ملتقى‭ ‬الشعر‭ ‬الثمانيني‭ ‬في‭ ‬قاعة‭ ‬قصر‭ ‬الثقافة‭ ‬والفنون‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام‭ ‬مع‭ ‬ضيافة‭ ‬لشعراء‭ ‬المحافظات‭ ‬في‭ ‬فندق‭ ‬بغداد‭. ‬اشترك‭ ‬في‭ ‬الملتقى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مئة‭ ‬شاعر‭ ‬ثمانيني‭ ‬مع‭ ‬جلسات‭ ‬نقدية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬لكبار‭ ‬النقاد‭ ‬العراقيين‭ ‬وحضور‭ ‬أهم‭ ‬شعراء‭ ‬السبعينيات‭ ‬والستينيات‭ ‬أيضاً،‭ ‬وفي‭ ‬اليوم‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬الملتقى‭ ‬صعد‭ ‬الشاعر‭ ‬الغجري‭ ‬نصيف‭ ‬الناصري‭ ‬إلى‭ ‬المنصة‭ ‬وقرأ‭ ‬نصَّاً‭ ‬نثريَّاً‭ ‬صادماً‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬قصيدة‭ ‬عن‭ ‬عبقرية‭ ‬وحياة‭ ‬حسن‭ ‬النواب‭ ‬المقدسة‭ ‬والشجية‮»‬،‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬مقطع‭ ‬منها‭:‬

‮«‬‭ ‬الكتب‭ ‬لا‭ ‬تصنع‭ ‬الشاعر؛‭ ‬يتقدَّس‭ ‬الشاعر‭ ‬كلما‭ ‬تقدَّم‭ ‬في‭ ‬الإثم‭. ‬كانت‭ ‬لحسن‭ ‬النواب‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1983‭ ‬لحية‭ ‬ذهبية‭ ‬طولها‭ ‬ثلاثة‭ ‬أمتار،‭ ‬لكنهُ‭ ‬حلقها‭ ‬قرباناً‭ ‬لامرأة‭ ‬أحبها‭. ‬أحييك‭ ‬يا‭ ‬نمري‭ ‬الفاسق،‭ ‬سائق‭ ‬الدبابة‭ ‬وفارس‭ ‬أحلام‭ ‬المعلمات،‭ ‬دعهم‭ ‬ينعمون‭ ‬في‭ ‬بحبوحة‭ ‬المناصب‭ ‬والرواتب،‭ ‬أولاد‭ ‬البحبوحات؛‭ ‬والصعاليك‭ ‬منهمكين‭ ‬بأداء‭ ‬صلواتهم‭ ‬الشعرية‭.‬‮»‬

‭ ‬أثارت‭ ‬قصيدة‭ ‬الغجري‭ ‬لغطاً‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬القاعة‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬المستمعين‭ ‬لها‭ ‬الشاعر‭ ‬عبد‭ ‬الرزاق‭ ‬عبد‭ ‬الواحد‭ ‬الذي‭ ‬أخذ‭ ‬يهزُّ‭ ‬برأسه‭ ‬احتجاجاً‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬سطورها‭ ‬وعلى‭ ‬محيَّاه‭ ‬ابتسامة‭ ‬ساخطة؛‭ ‬فيما‭ ‬ضجَّتْ‭ ‬القاعة‭ ‬بالضحك‭ ‬والتصفيق‭. ‬انتهى‭ ‬ملتقى‭ ‬الشعر‭ ‬الثمانيني‭ ‬بنجاح‭ ‬ساحق،‭ ‬جعل‭ ‬المؤسسة‭ ‬الثقافية‭ ‬تنظر‭ ‬بعين‭ ‬الجد‭ ‬والاعتبار‭ ‬لمشاريع‭ ‬منتدى‭ ‬الأدباء‭ ‬الشباب‭ ‬المستقبلية؛‭ ‬فأقام‭ ‬المنتدى‭ ‬ملتقى‭ ‬للقصة‭ ‬وحقَّقَ‭ ‬نجاحاً‭ ‬لافتاً‭ ‬أيضاً؛‭ ‬وفي‭ ‬مبادرة‭ ‬رائعة‭ ‬ذهب‭ ‬الأدباء‭ ‬لزيارة‭ ‬زميلهم‭ ‬القاص‭ ‬حامد‭ ‬الموسوي‭ ‬في‭ ‬مشفى‭ ‬الرشاد؛‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬يعالج‭ ‬من‭ ‬الجنون‭ ‬الذي‭ ‬أصابه‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬وظلَّ‭ ‬ملازماً‭ ‬لهُ‭ ‬حتى‭ ‬دعسته‭ ‬عجلة‭ ‬همر‭ ‬بعد‭ ‬دخول‭ ‬الأمريكان‭ ‬إلى‭ ‬البلاد‭. ‬تصاعدت‭ ‬وتيرة‭ ‬منجزات‭ ‬الأنشطة‭ ‬الثقافية‭ ‬التي‭ ‬أقامها‭ ‬المنتدى‭ ‬مع‭ ‬صدور‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬أسفار‮»‬‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬ولكن‭ ‬بشكل‭ ‬طباعي‭ ‬متواضع‭ ‬بسبب‭ ‬الحصار؛‭ ‬كما‭ ‬قدَّم‭ ‬المنتدى‭ ‬مسرحية‭ ‬السرداب‭ ‬التي‭ ‬كتبها‭ ‬وأخرجها‭ ‬الفنان‭ ‬عبد‭ ‬الأمير‭ ‬شمخي‭ ‬واشترك‭ ‬في‭ ‬تمثيلها‭ ‬نخبة‭ ‬من‭ ‬الفنانين‭ ‬العراقيين‭ ‬المعروفين‭ ‬يقف‭ ‬في‭ ‬مقدمتهم‭ ‬مقداد‭ ‬عبد‭ ‬الرضا‭ ‬والذي‭ ‬انسحب‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬لأسباب‭ ‬شخصية‭. ‬كانت‭ ‬المسرحية‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬حياة‭ ‬الشعراء‭ ‬الصعاليك‭ ‬وبطرح‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬المغامرة‭ ‬والجرأة‭ ‬واستمر‭ ‬عرض‭ ‬المسرحية‭ ‬لأسابيع‭ ‬على‭ ‬مسرح‭ ‬المنصور‭. ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬سنة‭ ‬وشهور‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬منتدى‭ ‬الأدباء‭ ‬الشباب؛‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬المنتدى‭ ‬بريد‭ ‬عاجل‭ ‬من‭ ‬اللجنة‭ ‬الأولمبية‭ ‬يقترح‭ ‬به‭ ‬إلغاء‭ ‬منتدى‭ ‬الأدباء‭ ‬الشباب‭ ‬فوراً،‭ ‬لأنَّ‭ ‬هناك‭ ‬مُسمَّى‭ ‬ثقافي‭ ‬سينبثق‭ ‬قريباً‭ ‬ويضمُّ‭ ‬تحت‭ ‬جناحيه‭ ‬جميع‭ ‬المنظمات‭ ‬الثقافية‭ ‬والفنية‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الأمر‭ ‬بسيطاً‭ ‬وشكَّل‭ ‬صدمة‭ ‬مباغتة‭ ‬للأدباء‭ ‬الشباب،‭ ‬إذْ‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬اجتماع‭ ‬الهيئة‭ ‬العامة‭ ‬حتى‭ ‬يتم‭ ‬التصويت‭ ‬بنسبة‭ ‬الأغلبية‭ ‬على‭ ‬قرار‭ ‬إلغاء‭ ‬المنتدى‭. ‬وحدث‭ ‬أنْ‭ ‬استدعى‭ ‬عدي‭ ‬النجل‭ ‬الأكبر‭ ‬للرئيس‭ ‬أعضاء‭ ‬المكتب‭ ‬التنفيذي‭ ‬للمنتدى‭ ‬لاجتماع‭ ‬في‭ ‬اللجنة‭ ‬الأولمبية‭ ‬لكن‭ ‬رئيس‭ ‬المنتدى‭ ‬عمدَ‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬حضور‭ ‬صديق‭ ‬الغجري‭ ‬والقاص‭ ‬صلاح‭ ‬زنكنه‭ ‬بين‭ ‬الحاضرين‭ ‬لأسباب‭ ‬غامضة‭. ‬منح‭ ‬عدي‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬اللقاء‭ ‬ثلاثة‭ ‬آلاف‭ ‬دينار‭ ‬مقابل‭ ‬التنازل‭ ‬عن‭ ‬المنتدى؛‭ ‬واستلموا‭ ‬المبلغ‭ ‬بطيب‭ ‬خاطر‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬ذلك‭ ‬المبلغ‭ ‬كان‭ ‬يشكِّلُ‭ ‬مورد‭ ‬عيش‭ ‬معتبر‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الحصار‭ ‬المذل‭.  ‬بعد‭ ‬أيام‭ ‬حضرت‭ ‬الهيئة‭ ‬العامة‭ ‬للأدباء‭ ‬الشباب‭ ‬إلى‭ ‬مسرح‭ ‬الرشيد‭ ‬وقد‭ ‬ملأوا‭ ‬مقاعد‭ ‬القاعة‭ ‬بينما‭ ‬جلس‭ ‬موفد‭ ‬ابن‭ ‬الرئيس‭ ‬خلف‭ ‬منصة‭ ‬أنيقة‭ ‬على‭ ‬المسرح‭ ‬وطلب‭ ‬من‭ ‬رئيس‭ ‬المنتدى‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يجلس‭ ‬بجواره‭ ‬المباشرة‭ ‬بأعمال‭ ‬المؤتمر‭ ‬بمسرحية‭ ‬مفضوحة‭. ‬تحدَّث‭ ‬خالد‭ ‬مطلك‭ ‬بكلمات‭ ‬قليلة‭ ‬شابها‭ ‬الحزن‭ ‬محاولاً‭ ‬جبر‭ ‬خواطر‭ ‬الأدباء‭ ‬الشباب‭ ‬المهشَّمة؛‭ ‬ثم‭ ‬أعلن‭ ‬عن‭ ‬حل‭ ‬المنتدى‭ ‬طالباً‭ ‬من‭ ‬الحاضرين‭ ‬التصويت‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬ورفع‭ ‬يده‭ ‬بصعوبة‭ ‬دلالة‭ ‬الموافقة‭ ‬والدمع‭ ‬يلمعُ‭ ‬في‭ ‬عينيه؛‭ ‬رفع‭ ‬الحاضرون‭ ‬من‭ ‬الأدباء‭ ‬الشباب‭ ‬أكفَّهم‭ ‬تأييداً‭ ‬لذلك‭ ‬القرار‭ ‬وهم‭ ‬يبصرون‭ ‬اغتيال‭ ‬منتداهم‭ ‬أمام‭ ‬انظارهم؛‭ ‬لكن‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ينساهُ‭ ‬صديق‭ ‬الغجري‭ ‬مشهد‭ ‬الشاعر‭ ‬عامر‭ ‬عبد‭ ‬الأمير‭ ‬الذي‭ ‬رفع‭ ‬يده‭ ‬وانخرط‭ ‬ببكاء‭ ‬حاد‭ ‬سمعتهُ‭ ‬اللجنة‭ ‬الاولمبية‭ ‬ورئيسها‭ ‬أيضاً،‭ ‬وهكذا‭ ‬تم‭ ‬ذبح‭ ‬عنق‭ ‬ذلك‭ ‬المنتدى‭ ‬بأكف‭ ‬الشعراء‭ ‬أنفسهم‭. ‬بعد‭ ‬مضي‭ ‬يومين‭ ‬أعلنت‭ ‬اللجنة‭ ‬الأولمبية‭ ‬عن‭ ‬مُسمَّى‭ ‬جديد‭ ‬هو‭ ‬التجمع‭ ‬الثقافي‭ ‬في‭ ‬العراق‭.‬

 


مشاهدات 110
الكاتب حسن‭ ‬النواب
أضيف 2024/06/24 - 4:23 PM
آخر تحديث 2024/06/30 - 7:12 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 322 الشهر 11446 الكلي 9361983
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير