فاتح عبد السلام
تسرب أسئلة الامتحانات الوزارية في السنوات السابقة لاسيما في أوج فترات الانهيارات السياسية التي كان يغص بها العراق قبل خمس عشرة سنة وغياب أجواء المسؤولية والرقابة، نتج عنها نجاح اعداد مهولة من الطلبة بمعدلات خيالية. فقد كانت الأجيال في العقود السابقة منذ تأسيس التعليم في البلد، تشهد نادراً نيل طالب أو طالبين أو ثلاثة كأقصى حد درجات كاملة او شبه كاملة، وكان المتفوقون الذين أصبحوا لاحقا اعلاما في العلوم والطب والهندسة واللغات من ذوي المعدلات العالية والمتقدمة لكنها ليست كاملة وانما منسجمة مع الواقع التعليمي الرصين السائد. كان الناجحون يكابدون صعوبات جمّة، وكانت المعدلات تواكب تلك المشقة.
في عالم اليوم بتنا نسمع انّ طالباً نال معدلاً مقداره 99 من المائة ولم يحالفه الحظ في دخول كلية الهندسة أو الطب لأنَّ المعدلات المتوافرة تتجاوز المائة والعشرين وأكثر وان حملة المعدلات الكاملة اكثر من عدد المقاعد المخصصة لكل دراسة.
هل هناك جهة لها أن تتوقف يوماً متأملة هذا المشهد حيث آلاف المتفوقين بالمعدلات وآلاف الخريجين في اختصاصات الطب والهندسة منذ عقد ونصف العقد، غير انّ “تنمية” الواقع العراقي غير مصاحبة لتلك الاعداد “الافتراضية” في التفوق. هنا لا أنكر انه ربما توجد” فلتات” في الذكاء، لكن هذه الزيادة المفرطة بمعدلات الدرجات الكاملة تدفع للتساؤل عن مستوى التدريس والأسئلة وهذا الواقع التعليمي الذي لم يعرف العراق له مثيلا في جميع مراحل تطوره وتفوقه.
قد لا نحصد الآن النتائج المحزنة لما جرى في زمن الانهيار والتساهل في التعليم والدرجات وحوادث تسرب الأسئلة ورخاوة المراقبات الامتحانية، لكننا سنواجه حقائق مرعبة عندما يأتي يوم نظن فيه اننا نمتلك قواعد علمية وكفاءات في حين انَّ كل شيء واهن وشبه وهمي ولا يمكن ان تقوم على أساسه التنمية العلمية والصناعية والطبية والهندسية والاقتصادية التي تواكب تطورات نوعية في العالم ، لاسيما حين يتسلم عدد من هذا الجيل التعليمي السهل مناصب قيادية لتكون المصيبة مضاعفة، ولعلّنا سنترحم على هذا الأيام المكتظة بالغث والرديء والهزيل والتافه.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية