فاتح عبد السلام
هناك تفاهمات واتفاقات أطُر استراتيجية جرت بين العراق وكل من الولايات المتحدة وتركيا وبمستوى معين مع ايران، وفي غضون ذلك كانت قد انطلقت أيضاً حزمة عريضة من مسارات التعاون بين بغداد والقاهرة وعمان قبل أربع سنوات.
العراق اليوم، بعد عشرين سنة من اضطرابات وتقلبات سياسية واقتصادية وأمنية، لابدّ أن يتجه نحو استقرار معين في شكل العلاقات الخارجية مع دول الجوار المؤثرة والعواصم الكبرى. بلا شك انّ الاتفاق الاستراتيجي مع الولايات المتحدة كان في السنتين الأخيرتين حبراً على ورق ، اذ لا يستقيم المنطق السياسي في علاقات استراتيجية وهناك تنظيمات مسلحة تقصف الامريكان وسفارتهم ومصالحهم من دون ان تستطيع اية حكومة تغيير ذلك الواقع . كما انّ العلاقات التي تحمل صفتها الاستراتيجية الجديدة مع تركيا لا يمكن ان تقوم من غير فصل كامل في التدخل الثنائي في الشؤون الداخلية، لاسيما في ظل وجود قوى تلعب من خلف الواجهات الرسمية بورقة حزب العمال الكردستاني المحظور لدى انقرة، وما ينتج عنه من آثار اقتصادية ومائية ونفطية متشنجة تكدر وتعكر التنسيق مع دولة جارة نحتاجها في المرحلة الحالية بشكل أساس.
أولاً، يجب أن تكون هناك استراتيجية عراقية قبل ان ندخل في استرتيجيات الاخرين، وهذا يتطلب منا وضع خطة لا مساومة عليها وغير خاضعة لتبدل الحكومات، مرتبطة بمجلس السيادة الاقتصادية والاعمار، المفروض أن نستحدثه من الكفاءات وبغطاء تنفيذي وتشريعي قوي، وهنا لابدّ من النجاح في تجفيف مساحات الفساد في هيكلية الدولة العراقية حتى لو جرى تغيير الدستور من اجل هذه المهمة الكبرى ، فلا قوة لدستور في وسط بحار من الفساد التي تحتمي بسدود واهية وستنكسر ذات يوم وسيفيق العراقيون على فيضانات لا تُبقي ولا تذر، مدمرة للنسيج الاجتماعي.
هدف أي استراتيجية عراقية يجب ان يكون مشابها لما تفكر به دول الجوار في بناء اقتصاداتها الداخلية والبحث عن أسواق لضمان ديمومة الدخل القومي لها وتحريك عجلاتها الإنتاجية ، وبلدنا فيه المواد الخام القابلة للتحول الإنتاجي في مختلف المجالات القابلة للتصدير والتغطية الداخلية أيضا.
ماذا نريد من اتفاقاتنا الاستراتيجية مع الاخرين؟ هذا هو مربط الفرس، وكيف نديم أواصر التعاون الاقتصادي بحسب خطة سيادية لا تدع مجالاً لأية دولة في أن تجعل منّا البقرة الحلوب من خلال الإبقاء على اوضاعنا الداخلية على هذا الحال الاستهلاكي الاستنزافي القاتل، لاسيما في النفط والطاقة، ونحن في ذلك كله رهن الآخرين.
هل يعقل انّ خزانة أموال ثرواتنا بيد غيرنا «فعلاً» او عبر «استنزافه» بالتصدير غير المجدي نحونا، وبعد ذلك كيف لنا ان نريد المضي الى امام والتقدم والربح؟
رئيس التحرير-الطبعة الدولية