فاتح عبد السلام
إيران، وليس خصومها هذه المرة، وعلى لسان مرشدها الأعلى، تتحدث عن هدف صاحبَ حرب الاثني عشر يوماً الأخيرة مع اسرائيل، وهو اسقاط النظام، بعد أن كان البوح بهذه التعابير من المحرمات في القاموس السياسي الإيراني. هذا الكلام يقودنا الى انّ التغيير إذا حدث في بناء الحكم في إيران سيقود حتماً الى انعكاسات مباشرة على العراق من دون معرفة مديات ذلك التأثير.
هاجس التغيير قوي في أذهان جميع السياسيين العراقيين ،لا أستثني واحداً منهم ، لكن مفاهيم التغيير تختلف من رأس الى رأس، ذلك انّ كثيراً منهم لا يزال يعتقد انّ “الترضية المزدوجة” العلنية أو تحت الطاولة مع ايران وامريكا، تضمن استمراريته السياسية، بالرغم من أنّ النظام الهيكلي العام المنبثق عن العملية السياسية المرتبة أمريكياً باتت تحت عيون الفحص والمداولة والمراجعة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، وهذه خارج التحليل والتأويل. فالمصلحة الامريكية في العراق لا تكفي من دون أن تصحبها مصلحة إسرائيلية ذات طابع أمني، ذلك ان العراق في قلب الشرق الأوسط الذي تقصده إسرائيل بالتغيير علناً. وفي الوقت الحالي هناك لجام أمريكي واضح وقوي أيضاً يمسك اندفاع إسرائيل لتوسيع الاستهداف الذي تمارسه منهجاً عسكرياً في لبنان العاصمة والجنوب والبقاع، بعد خروج حزب الله من الميدان العسكري ، كما تمارسه في سوريا الى درجة ضربها مداخل القصر الجمهوري في خلال وجود الرئيس فيه، و مبنى استعلامات رئاسة الأركان العسكرية بدمشق، بالرغم من انّ سوريا الجديدة لا تضع في سياستها أي أجندة حربية ضد إسرائيل. في مقابل ذلك انّ اللافت هو انّ إسرائيل لم يصدر عنها أي تهديد لفظي الا نادرا وعبر منصات ثانوية إزاء كل التحشيد الحربي الفعلي واللفظي المنطلق من الأرض العراقية ضدها في خلال الأيام التي تلت هجوم السابع من أكتوبر في قطاع غزة. ما تفسير ذلك؟ هل تخشى إسرائيل من ان تضرب أهدافاً ثانوية بعد أن هاجمت بأقسى الضربات الهدف الرئيسي في حربها مع إيران؟ بلا شك انه لا توجد خشية إسرائيلية من اي تهديد يكون مصدره الأراضي العراقية ولو تكرر قولاً او فعلاً كما في الأيام الماضية لربما تبقى إسرائيل على حالها في عدم استهداف أي جهة تمارس الاعمال الحربية خارج سلطة الدولة العراقية، وهذا لافت وغريب ويحتاج تأملاً عميقاً. لا نستطيع أن نرى رابطا في ذلك سوى اللجام الأمريكي الذي كان قويا في تحييد الأراضي العراقية عن العمليات الإسرائيلية التي تستبيح دول المنطقة، غير انّ ذلك “اللجام” لا يمكن أن يظل على حاله، مادام هناك في العراق بعض الجهات غير الرسمية غالباً، تضع المصير العراقي في سياق المصير الإيراني، بالرغم من انّ المعطيات العملية تقول انّ ايران لم تعد تضع أي اعتبار لشعارها الأثير «وحدة الساحات”.