فاتح عبد السلام
حتى لو توقفت حرب غزة وخفتت جبهات جنوب لبنان والبحر الاحمر، لن يكون هناك عدم استهداف للمصالح الأمريكية في العراق، ذلك انّ هذا القرار مرتبط بمحور مختلف كلياً ونهائياً عن أي توجه في السياسات العامة لدول المنطقة، وانّ اية حكومة عراقية مهما كان تصنيفها السياسي والتحالفي لن يكون لها القدرة على منع هجمات حربية تنطلق من أراضيها ومن نقاط مرئية ومعروفة ضد “الحليف” المرتبط مع بغداد بالاتفاقية الاستراتيجية، ذلك الحليف الذي يرجع له الفضل الأول والأخير في إقامة نظـام سياسي جديد في العراق منذ العام 2003.
المسألة في علم السياسة بنيوية نابعة من العقيدة التي يدين بها النظام السياسي المتصدر، من هنا لا حلول منظورة الا عبر عين لمراجعة حقيقية تفضي لتغيير الاتجاه، وتبني نظرية» العراق أولاً» حتى يكون للبلد شخصية كينونية ذات سيادة مصانة ومهابة، تقوم على بناء دولة ذات ديمومة، وليست بنية أحزاب أبدية، من وجهة نظرها طبعاً.
العراق عالق في المكان الذي سيكون حطباً لأي حريق خارجي في المنطقة، لذلك سنشهد تطورات قريبة من التصعيد وربما التداعيات السياسية أيضاً، التي تتجاوز الأفق الضيق الذي يراوح فيه المشهد السياسي، جيئةً وذهاباً، بين عدد من الغرف والمنازل في المنطقة الخضراء الى ما هو أوسع كثيراً، وغير متوقع ايضاً.
الملموس حتى الآن هو انّ علامات الاستقرار لا تبدو واضحة في الأفق العراقي، ليس بسبب تداعيات حرب غزة، وانما لأسباب تخص أدوات الحكم في العراق.
لا أجد من المناسب لوم ايران على دورها في ذلك كله، بالرغم من كلمتها الحاسمة والمفروضة، فهي صاحبة مشروع معروف، ذلك انّ اللوم يقع على الولايات المتحدة التي فشلت في العراق مرتين ، مرة بشن حرب احتلال غير مدروسة وتدمير البناء الأساسي للمجتمع كبديل لتغيير النظام السابق بتشجيع من نخب معقدة وحاقدة وربما غير عراقية، و فشلت مرة ثانية حين تركت أبواب العراق مفتوحة لمن يريد أن يؤسس دولة داخل دولة من دون رقيب او حسيب ، وقد كانت مفاتيح تلك الأبواب بيد الحاكم المدني الأمريكي الفاشل بول بريمر الذي كان ينتهج سياسة الهروب الى امام وشراء الذمم بالمليارات من دون ان يعلم أنّ الذين باعوا ذممهم له عادوا وباعوها ببلاش لسواه.
التفاؤل والتشاؤم في السياسة مصطلحان لا وجود لهما إلا في عقول الأدوات التنفيذية العمياء، وليس العقول التي ترى وتستشرف وتعرف مصلحة التراب الوطني استنادا الى معطيات وليست أمنيات. لذلك من الواقعي أن نصف الجو العراقي بالتلبد بحالة من القتامة لا تحمد عقباها مطلقاً.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية