الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
لماذا‭ ‬نقرأ؟

بواسطة azzaman

لماذا‭ ‬نقرأ؟

فارس السردار

 

للسومريين‭ ‬سكان‭ ‬العراق‭ ‬القدماء‭ ‬أحجية‭ ‬تغور‭ ‬في‭ ‬الزمن‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أربعة‭ ‬الآف‭ ‬سنة‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد‭ ‬تقول‭ (‬ما‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬ندخله‭ ‬ونحن‭ ‬عميان‭ ‬ونخرج‭ ‬منه‭ ‬ونحن‭ ‬مبصرين؟ّ‭!) .‬

ويؤكد‭ ‬أحيقار‭ ‬الحكيم‭ ‬الآشوري‭ ‬ومستشار‭ ‬الملك‭ ‬سنحاريب‭ ‬وابنه‭ ‬أسرحدون‭ ‬قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ( ‬4700‭ ) ‬عام‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬الثقافة‭ ‬والعقل‭ ‬والحكمة‭ ‬وخطورة‭ ‬الجهل‭ ‬على‭ ‬الانسان‭ ‬إذ‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬حكمة‭ ‬من‭ ‬حِكمه‭ ‬الشهيرة‭ : ‬يا‭ ‬بُني‭ ‬نَقلُ‭ ‬الحجارة‭ ‬مع‭ ‬الحُكماءِ‭ ‬خيرٌ‭ ‬لك‭  ‬من‭ ‬الجلوسِ‭ ‬على‭ ‬موائدِ‭ ‬الجُهلاء‭.‬

وفي‭ ‬الكتاب‭ ‬المقدس‭ ‬يأتي‭ ‬النص‭ ‬ليقول‭: “‬تَضِلُّونَ‭ ‬إِذْ‭ ‬لاَ‭ ‬تَعْرِفُونَ‭ ‬الْكُتُبَ‭ ‬وَلاَ‭ ‬قُوَّةَ‭ ‬اللهِ‭” (‬إنجيل‭ ‬متى‭ ‬22‭: ‬29؛‭ ‬إنجيل‭ ‬مرقس‭ ‬12‭: ‬24‭) ‬بعد‭ ‬اعترافنا‭ ‬بصحة‭ ‬ما‭ ‬ادعاه‭ ‬إبن‭ ‬الهيثم‭ ‬عالم‭ ‬البصريات‭: ‬من‭ ‬أن‭ ‬الاجسام‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬ترسل‭ ‬صورها‭ ‬إلى‭ ‬أعيننا‭ ‬عبر‭ ‬الأشعة‭ ‬الصادرة‭ ‬عنها‭ ‬جراء‭ ‬الانعكاس‭ ‬لا‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬الاغريق‭ ‬واليونانيين‭ ‬إن‭ ‬عملية‭ ‬الرؤية‭ ‬تحدث‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الأشعة‭ ‬المنبعثة‭ ‬من‭ ‬العينين‭ ‬لأن‭ ‬الضوء‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينطلق‭ ‬من‭ ‬العينين،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬أعيننا‭ ‬ليستا‭ ‬بباعثتين‭ ‬للرؤيا‭ ‬والاشعة‭ ‬بل‭ ‬مستقبلة‭ ‬لهما‭. ‬من‭ ‬هنا‭ ‬نفهم‭ ‬أن‭ ‬إدراك‭ ‬ما‭ ‬حولنا‭ ‬وفق‭ ‬المعنى‭ ‬أو‭ ‬الاحساس‭ ‬لا‭ ‬يأتي‭ ‬مستنبتاً‭ ‬من‭ ‬دواخلنا،‭ ‬بمعنى‭ ‬أننا‭ ‬بحاجة‭ ‬لأشياء‭ ‬نتزود‭ ‬بها‭ ( ‬مدخلات‭) ‬لنستطيع‭ ‬اجراء‭ ‬عملية‭ ‬توليف‭ ‬أوصهر‭ ‬أودمج‭ ‬أو‭ ‬تعشيق‭ ‬ثم‭ ‬نقدمها‭ (‬كمخرجات‭) ‬تحمل‭ ‬نكهتنا‭ ‬،‭ ‬لذلك‭ ‬أُلزمنا‭ ‬بالقراءة‭ . ‬فجاء‭ ‬الخطاب‭ ‬القرآني‭ ‬مختصرًا‭ ‬واضحاً‭ ‬مصراً‭ ‬بـ‭ ( ‬اقرأ‭.. ) . ‬القراءة‭ ‬جعلتني‭ ‬أعرف‭ ‬ما‭ ‬معنى‭ ‬أذا‭ ‬ارتقيت‭ ‬عمارة‭ ‬من‭ ‬ثلاثين‭ ‬طابقاً‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬فهي‭ ‬ستتيح‭ ‬لي‭ ‬مشهدا‭ ‬مختلفا‭ ‬من‭ ‬شرفة‭ ‬كل‭ ‬طابق‭ ‬ارتقيه،‭ ‬هكذا‭ ‬فعل‭ ‬القراءة،‭ ‬فكل‭ ‬كتاب‭ ‬هو‭ ‬مستوى‭ ‬لطابق‭ ‬ارتقيه‭ ‬ويمتلك‭ ‬مشهدا‭ ‬مختلف‭ ‬عن‭ ‬سابقه،‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬ستمنحني‭ ‬رؤية‭ ‬ما‭ ‬يحيط‭ ‬بي‭ ‬من‭ ‬شوارع‭ ‬واسطح‭ ‬وكلما‭ ‬قرأت‭ ‬أكثر‭ ‬ارتقيت‭ ‬أكثر‭ ‬واتسعت‭ ‬رؤيتي‭ ‬وبصيرتي‭. ‬ولا‭ ‬تبدو‭ ‬لي‭ ‬الأشياء‭ ‬مما‭ ‬انا‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬ارتفاع‭ ‬صغيرة‭ . ‬لا؛‭ ‬بل‭ ‬أكثر‭ ‬وضوحا‭. ‬الصورة‭ ‬معي‭ ‬وقتها‭ ‬ستكون‭ ‬ذات‭ ‬رزليوشن‭ ‬عالي‭ ‬الدقة‭ ‬والنقاوة‭ . ‬وهناك‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬اتاحته‭ ‬لي‭ ‬القراءة‭ ‬سأشعر‭ ‬بالتعالي‭ ‬والتسامي‭ ‬عن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬الفزع‭ ‬لأني‭ ‬بت‭ ‬أعرف،‭ ‬والقراءة‭ ‬وحدها‭ ‬تكون‭ ‬قاصرة‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬نمتلك‭ ‬الجرأة‭ ‬على‭ ‬اختبار‭ ‬ما‭ ‬نقرأ‭ ‬فأن‭ ‬تكون‭ ‬صادقا،‭ ‬مقداما،‭ ‬غير‭ ‬فاسد‭ ‬أو‭ ‬مرتش،‭ ‬تحترم‭ ‬الحياة‭ ‬،‭ ‬وتعترف‭ ‬بأحقية‭ ‬مشاركة‭ ‬الاخرين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحياة،‭ ‬أن‭ ‬تتمتع‭ ‬بالرحمة،‭ ‬وتتعامل‭ ‬بشرف،‭ ‬تحب‭ ‬للأخرين‭ ‬ما‭ ‬تحبه‭ ‬لنفسك‭. ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬يد‭ ‬العون‭ ‬،‭ ‬وتميط‭ ‬الاذى‭ ‬عن‭ ‬الطريق،‭ ‬تترفع‭ ‬عن‭ ‬صغائر‭ ‬الامور،‭ ‬وترنو‭ ‬لصعود‭ ‬المعالي‭. ‬وهذا‭ ‬كله‭ ‬في‭ ‬فوضى‭ ‬ما‭ ‬نحن‭ ‬فيه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬نمرره‭ ‬وحدنا‭ ‬؛‭ ‬ففي‭ ‬بعض‭ ‬الثقافات‭  ‬رأت‭ ‬أن‭ ‬الانسان‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬يد‭ ‬تنهض‭ ‬به،‭ ‬فيدا‭ ‬الأب‭ ‬وحدها‭ ‬لا‭ ‬تكفي،‭ ‬لذلك‭ ‬اجترحوا‭ ‬فكرة‭ ‬الأب‭ ‬الروحي‭ ‬أو‭ ‬العراب‭ ‬وهو‭ ‬راعي‭ ‬آخر‭ ‬غير‭ ‬الراعي‭ ‬البيولوجي‭ ‬يتعهد‭ ‬بالرعاية‭ ‬للدفع‭ ‬باي‭ ‬حياة‭ ‬ناشئة‭ ‬حتى‭ ‬يشتد‭ ‬عودها‭ ‬وتتجاوز‭ ‬الازمات‭.  ‬في‭ ‬زمني‭ ‬هذا‭ ‬زمن‭ ‬الحروب‭ ‬والتنافس‭ ‬المحموم‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬ومخاتلة‭ ‬القانون‭ ‬وجدت‭ ‬أن‭ ‬أبا‭ ‬معنويا‭ ‬لا‭ ‬يكفي‭ ‬فاتخذت‭ ‬من‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬منيف‭  ‬في‭ ‬شرق‭ ‬المتوسط‭  ‬وجبرا‭ ‬ابراهيم‭ ‬جبرا‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬التيه‭ ‬وحنا‭ ‬مينة‭ ‬في‭ ‬الياطر‭ ‬ونجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬في‭ ‬الثلاثية‭ ‬ويوسف‭ ‬ادريس‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬من‭ ‬لحم‭ ‬وزكريا‭ ‬تامر‭ ‬في‭ ‬النمور‭ ‬في‭ ‬يومها‭ ‬العاشر‭ ‬والارض‭ ‬الطيبة‭ ‬عبر‭ ‬بيرل‭ ‬باك‭ ‬ودستويفسكي‭ ‬عبر‭ ‬الاخوة‭ ‬كرمازوفت‭ ‬وجنكيز‭ ‬ادماتوف‭ ‬عبر‭ ‬وداعا‭ ‬غولساري‭ ‬والام‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مكسيم‭ ‬غوركي‭ ‬وعلي‭ ‬الوردي‭ ‬عبر‭ ‬وعاظ‭ ‬السلطين‭ ‬والف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة‭  ‬وكليلة‭ ‬ودمنة‭ ‬عبر‭ ‬حكاياتهم‭ ‬آباءً‭ ‬معنويين‭ ‬وحراسا‭ ‬رافقو‭ ‬كل‭ ‬المعارك‭ ‬التي‭ ‬خضتها‭ ‬في‭ ‬ساحات‭ ‬القتال‭ ‬التي‭ ‬اجبرت‭ ‬عليها،‭ ‬وفيما‭ ‬بعد‭ ‬في‭ ‬ساحات‭ ‬جهادي‭ ‬الاكبر‭ ‬لأقول‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬اعترف‭ ‬بأني‭ ‬عشت‭ ‬كما‭ ‬قالها‭ ‬شاعر‭ ‬تشيلي‭ ‬الأكبر‭ ‬بابلو‭ ‬نيرودا‭.  ‬هكذا‭ ‬نخلص‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬القراءة‭ ‬لست‭ ‬موضع‭ ‬تباهي‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬مسؤولية‭ ‬تجاه‭ ‬انفسنا،‭ ‬وهي‭ ‬تمنحنا‭ ‬القوة‭ ‬لنكون‭ ‬اقرب‭ ‬لما‭ ‬اردتنا‭ ‬الديانات‭ ‬كلها‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬عليه‭ ‬لنعرف‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬ما‭ ‬حولنا‭ ‬وننصف‭ ‬نضال‭ ‬وعرق‭ ‬بعضنا‭ ‬البعض‭ ‬ونحن‭ ‬نجتاز‭ ‬الموانع‭ ‬عبر‭ ‬مسارات‭ ‬تحولاتنا‭ ‬ونمونا‭ ‬وارتقائنا‭ ‬مادياً‭ ‬ومعنوياً‭. ‬القراءة‭ ‬اضافة‭ ‬نوعية‭ ‬نواجه‭ ‬بها‭ ‬انفسنا‭ ‬لنغسلها‭ ‬من‭ ‬اخطائها‭ ‬ولنكون‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬تجدد‭ ‬دائم‭  ‬ونعود‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬منبعها‭ ‬الصافي‭ ‬الاصيل‭ ‬إلى‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬ضغينة‭ ‬ولا‭ ‬حقد‭ ‬ولا‭ ‬عنف‭ ‬أو‭ ‬فساد‭ ‬ولا‭ ‬خيانة‭ ‬أو‭ ‬اعتداء‭. ‬القراءة‭ ‬مدرستنا‭ ‬التي‭ ‬نختار‭ ‬فيها‭ ‬مناهجنا‭ ‬والتي‭ ‬لم‭ ‬ندخلها‭ ‬لولا‭ ‬أننا‭ ‬كنا‭ ‬وما‭ ‬زلنا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نبصر‭. ‬لذلك‭ ‬قال‭ ‬لنا‭ ‬اقرأ‭ ‬لأنه‭ ‬أردنا‭ ‬أن‭ ‬نتنقل‭ ‬في‭ ‬عالمه‭ ‬الفسيح‭ ‬،‭ ‬لأنه‭ ‬أردنا‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬مثله‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬في‭ ‬شأن،‭ ‬لأنه‭ ‬ارادنا‭ ‬أن‭ ‬نبصره‭ ‬عبر‭ ‬بديع‭ ‬خلقه‭ ‬فهي‭ ‬التي‭ ‬تقربنا‭ ‬اليه‭.‬


مشاهدات 815
الكاتب فارس السردار
أضيف 2024/05/01 - 2:03 PM
آخر تحديث 2024/11/22 - 12:29 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 149 الشهر 9273 الكلي 10052417
الوقت الآن
الجمعة 2024/11/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير