الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
التيك توك من أخطر هوراشيما

بواسطة azzaman

التيك توك من أخطر هوراشيما

مصطفى عبيد دفاك

 

يستثمر العالم المتحضر الابتكارات العلمية والمستحدثات الكونية في المجالات المختلفة لتطوير مجتمعاتها وتشذيب ما يلائمها وفقا لمنهجية تعتمد استباق النظر للقادم من الزمن بكل ما يحتويه أو ما يريد له ان يحتويه من رفعة في المكانة وجودة في الأداء وضمانا لأجيالهم ليؤسسوا قاعدة رصينة للنهضة على كافة المستويات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية. وقد استثمر العالَم التطور التقني في وسائل التواصل عبر شبكات النت التي ازاحت كل الحدود وتجاوزت بعض نظريات الاعلام المعتمدة على القيم والأعراف في توصيل رسائلهم فيها مثل نظرية المسؤولية الاجتماعية حيث لم يعد مصدر التوجيه واحدا بل صار سوقا مجانيا مفتوحا مترامي الأطراف يدخل فيه الفرد ويخرج ، يأخذ ويعطي ، ينتج ويحلل وفقا لأهوائه وثقافاته ، ولكن في بعض المجتمعات التي تعاني حرمانا مزمنا من الحريات وتكتيم الرأي وجدت فضاءً رحبا في تلك الوسائل التواصلية ( غير الاجتماعية ) وصارت تمطرها بوابل المَشاهِد والآراء التي لا يحدها عُرف ولا يوقفها تقليد وصارت تهرول نحو انفتاق وتشظي أخلاقي يرعب ثوابت المجتمع ، كما لم يعد للعائلة دور في السيطرة على الأطفال ولا للمدرسة ولا لأية مؤسسة تربوية أخرى تنظم السلوكيات او على الأقل تشذب ما يطرأ من جديد سيء عليها .

يعلمنا التاريخ والواقع المعاش لعقود زمنية مضت ان هناك هجمة شرسة ومنظمة مُكلِفة ماديا وبشريا لتدمير كل ما هو أخلاقي في مجتمعاتنا التي يسمونها ( العالم الثالث) فقام ( العالم الأول ) بضخ قنوات كثيرة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا واعلاميا بميزانيات ضخمة فلكية ومرعبة لتدمير الركن الأخلاقي ، إضافة الى الحروب الحارة منها والباردة وكان تأثيرها بسيط الى ان ظهر المارد العظيم ( النت ) والتنين الحارق ( وسائل التفريق الاجتماعي ) تيك توك و انستجرام وغيرها. من أدوات الهدم المجانية فهي بلا مقابل ولا جهد وسرعة البرق بل أسرع في الوقت ويتعدى التيك توك ذلك بان يعطي الأموال للتافهين والتافهات بقدر انتشار سخافاتهم وسمومهم في جسد المجتمعات (4 $ لكل ألف مشاهدة) مما يسهم في توسيع دائرة العرض غير الملتزم والسابح في بحر اللا انضباط تحت عنوان (الواقعية والبساطة) والذي يشجع الاخرين على الانخراط في الزمرة (التكتكية) وخاصة من لا يمتلك عملا بعينه. ليس غريبا ان ترى رجل يناغي بقرته يصبح نجما !!! وعاهرة تروج للملهى الذي تعمل فيه واستعراضات بائعات الهوى وبالتالي يصبح كلهم نجما واسماً متداولا اجتماعيا ومؤثرا في الشارع. تيك توك معول هدم اجتماعي وصانع النجومية بسبب التكرار للنكرات والشواذ ويجعل منهم نماذج وظواهر تدخل البيوت بلا استئذان.

هذا الوباء الذي يزيد خطورة على كورونا يأكل في المجتمع كالنار في الهشيم أطفال يرقصون ويرددون البذيء من الأغاني والرقصات، ليس مهما كيف تقدم المهم ان يسهم المنجز في الهدم. ورغم ان من ابتكر التيك توك أراد له ان يكون عاملا مضافا للتواصل الاجتماعي ويعتمد كل ابتكار او اختراع على مستخدميه سواء بالإيجاب او بالسلب ، الا ان استخدامه في مجتمعات (العالم الثالث)   أسهم بالعزلة الاجتماعية لمستخدميه ومتابعيه، وهو وسيلة لمضيعة الوقت مما يؤثر في إنتاجية الفرد على المستوين الفردي والجماعي. وصار مصدرا مهما من مصادر الابتزاز خاصة في المجتمعات التي تهتم كثيرا في مسالة الشرف والانتقام من منتهكه. امراض التوحد المنتشرة بين الأطفال. مفردات بذيئة خادشة للحياء جعل منها التيك توك حالة عادية وخفف من رفضها اجتماعيا. ونرى ان الاستمرار في ترك التيك توك كما يشاء كارثة إنسانية لا يقل تأثره عن قنبلة هوريشيما.

من سيوقف هذا السرب الأصفر من غزو واحات مجتمعاتنا؟ متى ستتوقف الصورة السيئة التي يرسمها (التكتكيون) عن بلد الجمال والطيبة. هل يحتاج تيك توك الى رسالة سماوية جديدة ليهتدي؟.

 

 


مشاهدات 387
الكاتب مصطفى عبيد دفاك
أضيف 2024/05/04 - 12:34 AM
آخر تحديث 2024/11/21 - 12:11 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 39 الشهر 9163 الكلي 10052307
الوقت الآن
الجمعة 2024/11/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير