فاتح عبد السلام
لو كنتُ مكان رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني لوجدته أمراً مرهقاً أن أزور عدداً كبيراً من السياسيين العراقيين في بغداد في خلال ثمان وأربعين ساعة، كلما زار العاصمة. اذ اجتمع رئيس الاقليم الى كل زعيم حزب او تحالف بمفرده، وجرى التداول في إطار يكاد يكون موحدا بشأن مشاكل مزمنة بين بغداد واربيل، تلك المشاكل التي تخفت وتتوهج بحسب أزمات محلية او إقليمية، من دون ان يكون الدستور العراقي الذي هو مظلة الجميع «الافتراضية» بقادر على حلها. وتلك هي عين الازمة التي يجب ان يتعامل معها المشهد السياسي تعاملاً جدياً قبل ان تحدث تداعيات بفعل عوامل داخلية وخارجية تجرف في طريقها ما كان يظن السياسيون انهم بنوه وقائم على أسس قوية في العقدين الأخيرين اللذين حكموا خلالهما العراق.
الصعوبة ليست في تعددية الزيارات الى كل زعيم في مقر حزبه، ففي ذلك جانب بروتوكولي والتزام اجتماعي وسياسي وشخصي في وجه من وجوه، وانّما الصعوبة في عدم قدرة تلك الزعامات برغمش انضواء معظمها تحت ما يسمى تحالف إدارة الدولة ان تتعامل بشأن الوضع العراقي من خلال رؤية موحدة لا تخضع كثيرا للاجتهادات الحزبية والشخصية، ولعل تلك الاجتماعات المنفصلة التي عقدها بارزاني توحي بأن لكل طرف مسارات ورؤى وهموماً يسعى لبحثها بمفرده مع رئيس إقليم كردستان، بما لا يتيح انضواء تلك الرؤى تحت خيمة واحدة.
ربَّ سياسي يقول انّ إقليم كردستان ذاته يتوافر على خلافات مشابهة من خلال التباين بين القيادتين في السليمانية وأربيل، وذلك صحيح ويتحدث عنها بارزاني دائما مطالبا بتجاوزها وتوحيد البيت الكردي، لكن التشظي في إقليم كردستان اقل عدديا ونوعيا من الحال في المشهد السياسي الاخر في بقية العراق.
لا مجال لفشل المباحثات بين أربيل وبغداد، اليوم أو غداً، ويجب ان تعلم القيادات بمختلف ألوانها ومساحات نفوذها، انّ التوافقات المرحلية المعتادة منذ سنوات قد تدفع بالمسيرة الى مسافة منظورة معينة، لكنها مسافة ليس لها ان تتيح للبلاد رؤية الأفق الواضح الذي يفترض انه يستضيء بأنوار الدستور، ولكن كيف وقد بات هذا الدستور نسياً منسياً؟
رئيس التحرير-الطبعة الدولية