فاتح عبد السلام
استغرب أن يكون قلقُ بعض دول جوار سوريا أكبر من الرغبة في استنباط دروس ما يحدث.
وأول درس هو سقوط القلاع القمعية التي لم تحم الحاكم في ساعة الحقيقة، بل كانت سبباً مباشراً في ثورة الشعب عليه وشطب حقبته الدموية السوداء.
كان قد مضى يومان، والسوريون يبحثون عن الأبواب السرية التي أخفاها الجلادون لكيلا يكون هناك امل لمَن داخلها أو خارجها في إطلاق سراح المعتقلين من الزنازين المظلمة تحت الأرض.
العالم رأى، وسط صدمة عظيمة، هذه الاقبية والسجون الدموية وقد حشر فيها مصاصو دماء البشر ومدمرو قوتهم ومستبيحو كراماتهم وانسانيتهم عشرات آلاف السوريين واعداداً من العرب بينهم، منذ أيام الحاكم الذي سبقه من دون محاكمات يعلم بها أحد. انه مشهد أكبر من توصيف أية الجريمة، بل مفردة القتل لا تفي بغرضها، لأنّ الحاكم كان يريد في سجن مواطن سوري او لبناني مدة أربعين او ثلاثين سنة جعل الموت امنية صعبة المنال للإنسان المعذب، وقد وردت شهادات من الذين نجوا من سجون سوريا انهم كانوا يتمنون الموت ليتخلصوا من العذاب اليومي على مدى عقود ولا يمنحهم الحاكم الجلاد تلك الأمنية.
ما جرى ليس تنفيذاً لأحكام قوانين تعسفية في اعدام أصحاب الرأي أو المتظاهرين السلميين أو الأبرياء المنتمين لوسط اجتماعي او مدينة معينة، وانما هو حقد سلالي نسلي للجلادين في إبادة أي آخر لا يكون مُسخّراً لخدمة مشروعهم أو مصالحهم او غرائزهم ايضاً.
اية سخرية قدرية كبرى هذه التي جعلت الحاكم وابنه وسلالته يضعون شعارات مرور عربية رنانة تخص “القدس والمقاومة والتحرير” فوق صدورهم ثمّ يصفون أصحاب الرأي وينهبون ثروات البلد ويستبيحون إرادة الشعب حتى القهر.
تعلّموا من الدرس الثمين الذي جرى في سوريا قبل أن تقلقوا من انتقال الازمة اليكم. حصّنوا انفسكم بحلول تقضي على فساد السياسيين وتعطي الحرية للناس وتقيم العدالة، قبل عمل مزيد من السواتر وارسال مزيد من الدوريات الى الحدود السورية.
بشار حكمَ أربعاً وعشرين سنة مستندا الى حكم أبيه ثلاثين سنة قبلها، والاثنان لم يعرفا سوى القمع والقبضة الامنية الدموية وسيلة لإرساء السلطة.
وكانت النتيجة انهما تركا سوريا في مهب الرياح، وصار لابدّ من تضامن سوري حقيقي لجميع الارادات لإعادة بناء البلد المحطم على قيم انسانية جديدة.
وفي العراق هناك حكم جديد عمره احدى وعشرون سنة، وحال البلد ليس ببعيد عن أحد، إلا على الذين غرّتهم أموالهم وقواهم وسكوت المجتمع الدولي، أولئك الذين لا يستوعبون الدرس مهما أعيد عليهم.