حين يتحدًث الحرف بلغة الجمال
حاكم الشمري
في كل مرة نقرأ فيها صحيفة أو مجلة عراقية، قد لا نلتفت إلى أن وراء جمال العنوان ولمعة الشعار أيادٍ مبدعة شكّلت ملامح هوية بصرية لحقبة كاملة من الصحافة العراقية. أحد أبرز هذه الأسماء هو الفنان والخطاط والمصمم فلاح الخطاط، الذي جعل من الحرف العربي ميداناً للتعبير الفني، ومن التصميم مساحة تجمع بين الدقة والخيال.
فلاح الخطاط، الأستاذ في كلية الإعلام اليوم، هو واحد من الذين جمعوا بين الموهبة الأكاديمية والاحتراف العملي. بدأ مشواره مبكراً في عالم الخط والتصميم، فبرع في رسم الحروف العربية بأساليب متجددة تجمع بين الأصالة والحداثة. وعلى امتداد عقود من العطاء، أنجز مئات اللوحات الخطية التي زيّنت القاعات والمؤسسات، وصمّم عدداً كبيراً من الشعارات (اللوغوات) التي أصبحت علامات مميزة في المشهد الإعلامي، لعل أبرزها شعار جريدة الصباح، إلى جانب تصاميمه لمجلات وصحف عديدة تركت أثراً بصرياً واضحاً.
لم يكن فلاح الخطاط مجرد مصمم يشتغل بالألوان والأشكال، بل هو فنان يرى في الحرف العربي كائناً حيّاً يتنفس، ويعبّر، ويتحوّل إلى لوحة تحمل روح العراق وجذوره الثقافية. تتسم أعماله بالاتزان والجمال والعمق، وهي تمزج بين روح الخط الكلاسيكي وبراعة التكوين الحديث.
أما اليوم، فإن فلاح الخطاط يعيش تجربة جديدة مع طلبة كلية الإعلام، حيث ينقل إليهم خلاصة مسيرته الطويلة بخبرة الأستاذ وصبر الفنان. يحرص في محاضراته على أن لا يكون التعليم مجرد تلقين للمعلومة، بل رحلة في عالم الذوق والإبداع. يشجع طلابه على اكتشاف الذات، وعلى أن تكون أعمالهم ناطقة بفكرهم وهويتهم، لا مجرد تقليد لأساليب جاهزة.
كثيراً ما يُشاهد بين طلابه وهو يرسم أو يخطّ أمامهم، ليبرهن أن الحرف ما زال قادراً على أن يكون جسراً بين الفن والإعلام، وأن التصميم لغة لا تقل عمقاً عن الكلمة.
ويرى فلاح الخطاط أن الإعلام الحديث لا يمكن أن يكتمل دون هوية بصرية رصينة، وأن الخط العربي – برشاقته وتاريخه – يمكن أن يكون عنصراً حيوياً في صياغة هذه الهوية. فهو يؤمن بأن الجمع بين التقنية والروح الجمالية هو الطريق نحو إعلامٍ أكثر تأثيراً وصدقاً في التعبير عن الذات الوطنية والثقافية.
بهذا الفهم العميق، يواصل فلاح الخطاط مشواره بين القلم واللون والحرف، بين قاعة الدرس وصفحة الجريدة، مؤمناً أن الجمال هو الرسالة الأسمى التي تستحق أن تُكتب… بخطٍّ لا يزول.