فاتح عبد السلام
لا أحد يستطيع تفسير كلام المرشد الإيراني الأعلى السيد علي خامنئي في انه لا يضخم من حجم الهجوم الإسرائيلي الأخير على اهداف في ايران ولا يقلل من شأنه أيضا، سوى رئيس الحكومة الإسرائيلية نتانياهو الذي حافظ على نفس المستوى من التأرجح والغموض بقوله ان الهجوم كان دقيقا وحقق أهدافه ، من دون ان يفسر للعالم معنى الدقة من خلال صور الأقمار الصناعية مثلا او ادلة أخرى ، كما لم يفسر جملة تحقيق الأهداف.
إيران ومحور «المقاومة» الذي تقوده، يعيشون غمار فرحة انتهاء كابوس الضربات التي احاطتها هالة إعلامية لثلاثة أسابيع من دون ان تؤدي الى إعاقة إيران أو المحور. لكن الجبهتين الفلسطينية واللبنانية لا تزالان تحت كابوس ثقيل من حرب من الصعب التكهن بنهاياتها وليس هناك احد يشكك في مدى ضخمتها او يقلل من شأنها، مادامت إسرائيل مقتنعة حتى الساعة بلغة القوة العسكرية في فرض الامر الواقع كما كانت تتعاطى هذه اللغة عقودا عدة، من دون أن تراعي تغيرات جوهرية بموازين القوى، وان التفوق الجوي مهما كان ليس هو كل الحكاية ، كما ان هناك أطرافا في الصراع باتت تنافسها بنسب مختلفة في مجال الضربات الجوية. ان تخلف إسرائيل في القراءة الحقيقية للتغيرات وصب جام نيرانها الغاشمة المتفوقة على مناطق مدنية واسعة في قطاع غزة، سيؤدي بها الى عزلة جدية في الأوساط الدولية مع مرور الزمن، وانَّ الخوف من البعبع الإسرائيلي لن يبقى على حاله في قناعات برلمانات وسياسيين في أوربا بعد ان اصبح مطلب حل الدولتين الأقرب لإنهاء النزاع وإيقاف نزف الدماء في نظر العالم، لكنه ليس أمراً ماثلا للعيان لدى تل ابيب، وهذه مشكلة ستولد مزيدا من الحروب بعد انتهاء حربي قطاع غزة وجنوب لبنان.
اغترت إسرائيل كثيراً بخروج دول عربية من دائرة الصراع، وتوهمت انها باتت قادرة على حسمه لصالح مشروعها والاستفراد بالحلول كونها طرفا قويا امام طرف ضعيف، في حين انها لم تدرك انّ تلك الدول لم تعد صاحبة « قضية» اساساً ، وانّ القتال دائر اليوم بين اسرائيل وأصحاب «القضية». وتلك مشكلة في البنيان الفكري الاستراتيجي قبل ان تكون مشكلة في ساحة العمليات العسكرية.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية