وأنت تصعد على أكتاف الآخرين باتجاه القمة تمهل قليلا ..وحاول التقاط ما سقط منك .. لانك لن تصل القمة إلا وقد سقط منك ..كٌلك”. جذبتني هذه المقولة في مكان ما على الشبكة العنكبوتية وللأسف لا أتذكر قائلها، لكنها أعجبتني. وبتغيير صيغة المذكر إلى صيغة المؤنث، ومع بعض التعديل يصبح النص كالآتي: “وأنت «بكسر التاء» تصعدين على أكتاف الآخرين «أو على كتف رجل» باتجاه القمة «أو منصب حزبي أو حكومي» تمهلي قليلا.. وحاولي التقاط ما سقط منك.. لانك لن تصلي القمة «بالسهولة التي لم تتوقعيها» إلا وقد سقط منك.. كٌلك “بكسر الكاف الثانية”.
صديقتي المقربة حاملة شهادتي بكالوريوس في إدارة الأعمال وماجستير في القانون الدولي، إضافة إلى خبرة عمل في بعض الدوائر ذات الصلة باختصاصاتها لمدة أكثر من عشرين عاما، تقدمت قبل ما يقرب من العشر سنوات أو أكثر لوظيفة أو منصب كان من المفترض أنه من حصة أحد الأحزاب حسب قانون المحاصصة الحزبية لتوزيع المناصب والوظائف الحكومية. كانت صديقتي تتفاخر بمؤهلاتها العالية وخبرتها الغنية وكانت شبه متيقنة من أنها ستحصل على المنصب، إرتفع سقف توقعاتها وهي تنتظر النتيجة، لكنها أصيبت بالخذلان عشية الإعلان عن الإسم الفائز بالمنصب، اذ كانت إحدى النساء اللواتي همهن الأول والأخير آخر صيحات الموضة وكل جديد في عالم جراحة التجميل، ما كان ينقصها فقط بعض التقرب من أحدهم، بطبيعة الحال كانت تمتلك ما يؤهلها لذلك التقرب من قوام رشيق وإبتسامة ساحرة، فازت بالوظيفة وهي لا تملك مؤهلا علميا يكفي لتتولى مهامها في مثل تلك المؤسسة التي وصلت إليها صعودا على كتف أحد الرجال المتنفذين ممن لهم تأثير كبير في دوائر القرار.
يومها، لم يحزنني لأن صديقتي المقربة صاحبة المؤهل العلمي العالي والخبرة الغنية لم تفز بالوظيفة لأنها كانت نتيجة متوقعة وتحصيل حاصل في ذلك المجتمع، لكن ما لم أفهمه أن صديقتي العزيزة منت نفسها كثيرا بما لم يكن من نصيبها في مجتمع ذكوري همه الكبير إبعاد النساء المتمكنات وذوات المؤهلات العالية واللواتي بوسعهن منافسة الرجل على مناصب إدارية مهمة، تلك النساء غير المرغوبات وغير السهلات. بل ما أحزنني أن مجتمعنا بين أيدي مثل هؤلاء الرجال الذين يتشدقون بالكثير من الشعارات الرنانة والخطب المغلفة بفيض الكلام المنمق حول الحقوق الإنسانية والعدالة والديمقراطية والمجتمع المدني القائم على المساواة بين الجنسين. في حين أنهم يركزون على إبراز نساء ضعيفات من حيث الشخصية والأداء و الإمكانات العلمية والثقافية والدفع بهن إلى تلك المناصب كمحاولة منهم لتشويه صورة المرأة في تلك المناصب إعطاء تصور خاطيء بأن جميع النساء غير قادرات على تولي مثل تلك المهام، وفي النهاية يقولون ها نحن نطبق قانون الكوتا، لكن النساء يفشلن دائما في إنجاز مهامهن لأنهن لم يخلقن لها.
كلامي هنا، ليس موجها إلى النساء اللائي يصعدن على أكتاف الرجال، لأن ما قلناه في هذا الخصوص لم يكن قليلا، إنما كلامي هنا موجه للرجال ذوي الأكتاف العريضة التي يضعونها في خدمة النساء، ليس لوجه الله، إنما إشباعا لغريزة، وما أدراك ما غرائز هؤلاء الرجال.
ولست هنا بصدد إتهام كل الرجال، أنما البعض منهم، كما أنني لا أعني كل النساء لكن البعض منهن، والصنفان ليسا قليلين من حيث التأثير، حتى وإن كانوا قلة، لكن هولاء في الواجهة ويمثلون المجتمع بأكمله أمام العالم الخارجي، كمثل تلك المرأة التي رشحتها منظمتها النسوية في الداخل لتمثلها في زيارة إلى إحدى الدول الأوروبية، وأثناء لقائها بعدد من أعضاء البرلمان كانت على عجالة من أمرها، لأنها وحسب ما قالت أن وقتها ضيق ولا تريد إهداره في هذا الهراء، إنما تبحث عن المحال التي توفر مادة السليكون التي كانت تستخدمها النساء لتكبير الصدر.
نعود إلى الرجال ذوي الأكتاف المخصصة لرفع مثل هؤلاء النساء، الذين أتخيلهم كائنات مجتمعية مهمتها زراعة بذور تساعد ثمارها على فقدان الثقة بالنفس والكسل وتنمي صفات التذلل والتحذلق النسوي، والجشع والنهم المناصبي، وتجعل من النساء كائنات متكلات على رجال يتخيلون أنفسهم لولاهم لما كانت المرأة، لولا ضلعهم الأعوج لما خلق كائن إسمه المرأة. ولا أستبعد أنهم يدعون ليل نهار أن لا تخلوا الأسواق من مواد التجميل وتزداد عيادات التجميل، لكي تظل المرأة تصب كامل إهتمامها على مظهرها الخارجي وتنسى دماغها وتبتعد قدر الإمكان عن كل ما شأنه أن يثقفها ويفتح أعينها ويوسع إدراكها ويجعلها تهتم بفكرها وتتبنى المباديء التي تساعدها على شق طريقها بنفسها. هذا النوع من الرجال يهمهم جدا ألا تقدر المرأة على أن تقف بوجوههم وتنافسهم بقدراتها ومواهبها ومستواها العلمي والثقافي، بل ينفرون من مثل تلك المرأة، ولا يتخذونها زوجة، لأنها ليست من النماذج الخانعة والمطيعة في ظل كل الظروف. هؤلاء الرجال هدفهم الأسمى في الحياة هو أن يثبتوا للمجتمع أن المرأة كائن ضعيف لا يمتلك الحيلة في أي شيء، وليس بإمكانها أن تدخل أي محفل من المحافل، خصوصا السياسية والإدارية لولا الدعم السخي من الرجل وكتفيه العريضتين.
تلك النوعية من النساء اللائي يستمتعن بالصعود على مثل تلك الأكتاف الذكورية هن من رسخن تلك العقلية عند الرجل التي مفادها أن المرأة كائن ضعيف وبدون أكتاف الرجال لا يصبحن شيئا يذكر، وهكذا يكون رضوخهن لمطالبهم وما أدراك ما مطالبهم.
عزيزتي المرأة، تأكدي أن أكتاف الرجال تنفع لحمل الأمتعة الثقيلة، وتنفع لسحب الحمولات الثقيلة، عدا ذلك فهي لن ترفعك كأنثى دون مقابل حتى وإن كان نظرة أو لمسة….ألخ..
من غير الممكن أن تبدع إمرأة في مكان ما أو منصب حزبي أو حكومي بحرية إذا كانت قد وصلت إلى ما هي فيه بفضل رجل. لأن الرجال لا يعرضون أكتافهم لنساء عصاميات ونساء واثقات من قدراتهن ولا يساومن على إنسانيتهن، لأنّ مثل تلك الأكتاف لا تغريهن، إنما تغري نساءً يفتقرن إلى القدرة والموهبة والثقافة وفكر إنساني حر وعصامي.
واليوم وأنا أكتب هذه السطور أتساءل: هل تغير شيء منذ ذلك الحين إلى الآن؟ أم أنه سار نحو الأسوأ بفضل الفاشنستات والبلوغرات والناشطات على مواقع التواصل الإجتماعي؟