إخفاق قطر في درء العدوان الإسرائيلي
صبحي ناظم توفيق
ظهر يوم الثلاثاء 9/9/2025 فوجِئَت دولة «قَطَر» الشقيقة والعالم كلّه بضربة جوية إسرائيلية في عُقْر دارها في ضواحي عاصمة «الدوحة» الحبيبة بمشاركة 15 طائرة مقاتلة F-35 شبحية، والتي عادت سالمة إلى قاعدتها في فلسطين المحتلّة من دون أن تتصدى لها أية طائرة إعتراضية أو منظومة دفاع جوي، ما جعل المتابعين للأحداث أن يحتاروا ويتساءلوا عمّا وراء هذا العدوان.
الزميل العزيز «الفريق الركن ياسين فلَيِّح النعيمي» المقتدر والمتابع للحروب والمشارك في العديد منها وقائد معركة التعرّض العراقي على ميناء «الخَفجي» السعودي (29/1- 1/2/1991) خلال حرب الخليج الثانية، رأى الحدث الجلل حسب تحليله ووجهة نظره، أن دولة «قَطَر» تُعَدّ ثاني أعلى دولة خليجية بعد المملكة العربية السعودية في حجم الإنفاق على القدرات العسكرية، من حيث إمتلاكها منظومة متكاملة ورصينة ومقتدرة من أنظمة الدفاع الجوي والطائرات المقاتلة الحديثة، يتصدرها نظام «باتريوت» الأمريكي PAC-3 بأحدث نسخه، إلى جانب نظام NASAMS-2 النرويجي ذائع الصيت، ومنظومة Rapier البريطانية، فضلاً عن منظومة Roland الفرنسية-الألمانية الأقدم.. وقد أنشأت شبكة متطورة من الرادارات التي تُعَدّ العمود الفقري لدفاعها الجوي وتشكل عَيناً إستخباراتية ستراتيجية للدولة، ويبرز ضمن هذه الشبكة رادار AN/FPS-132 Block-5 الذي يمثل قلب مجمع رادارات الإنذار المبكر القُطْري (QEWR)، ويُعدّ الأحدث والأقدر في المنطقة بتكلفة تزيد على مليار دولار مع شركة «رايثيون» الأمريكية، ويُمَكِّن بمجموعها المتشابِك من رصد أية إطلاقات صاروخية أو نشاط جوي بمديات بعيدة عن أجوائها، ويعزّز فعالية رادارات المنظومة الأكثر تطوراً مثل الـ»باتريوت»... وبهذا تُشكّل هذه المنظومات دفاعاً جوياً متشابكاً بطبقات متعاقبة وقادرة (نظرياً) على تغطية كامل مساحة «قَطَر» الضئيلة وحماية مراكزها الحيوية.
أما على صعيد القوة الجوية، فيُعتبر سلاح الجو القَطَري من بين الأقوى عربياً من حيث النوعية والتسليح والحداثة، إذ يضمّ تشكيلاً من أحدث المقاتلات وأفضلها (36 مقاتلة «رافال» فرنسية، 24 مقاتلة «يوروفايتر- تايفون» الأوروبية، 37 مقاتلة F-15QA الأمريكية التي تُعَدّ النسخ الأحدث لـ F-15، والعشرات من مقاتلات ميراج 2000 الفرنسية).
غارة اسرائيلية
وأضاف السيد الفريق أنه رغم هذه الترسانة القَطَرية المتقدمة، فقد وقفت بأنظمتها المقتدرة عاجزة أمام الغارة الإسرائيلية على عاصمة الدولة!!!
فمن الناحية الفنية والتعبوية، يُفتَرَض أن تُؤدي هذه الدفاعات دورها الواجب في التصدي لهكذا هجوم، حتى مع إحتساب التفوّق التكنولوجي والعملياتي الإسرائيلي وإفتقار «قَطَر» للعمق الإستراتيجي لِضآلَة مساحتها الجغرافية، فقد كان المُنتظَر من هذه الأنظمة أن تُطلق ولو إنذاراً مبكراً وأن تحاول الإعتراض لغرض الإرباك أو تقليل الخسائر.
وفي نهاية آرائه يرى الزميل العزيز إن هذا الفشل يفتح الباب أمام إحتمالين رئيسَين:
أولاً. أن الجيش القطري يفتقر إلى الجاهزية القتالية والفنية، ويعاني من ضعف في الأداء العملي ورد الفعل!؟
ثانياً. أن دولة «قَطَر» كانت على علم مسبق بالضربة في الوقت الأخير، حيث أبعدت قادة «حَماس» عن الخطر، وإختارت السماح لإسرائيل بتنفيذ الضربة دون مقاومة لكسب الموقف السياسي؟!
أما أنا فقد توقفتُ عند الأسطر الأخيرة من آرائه المحترمة لعدم إيماني المطلق بـ»نظرية المؤامرة»، وكتبتُ لمقامه ما أراه شخصياً من النواحي العسكرية الصِرف، وبالأخص في ما يتعلّق بالمناحي الفنية والتكنولوجية الخاصة بالطيران والدفاع الجوي، والتي أجملها بما يأتي:-
1.واقع الحال أن الذي غَيّرَ موازين القدرات الجوية في الشرق الاوسط بدءاً من الرادارات بعيدة المدى والرادارات المرتبطة بمنظومات وأسلحة الدفاع الجوي التي تمتلكها القوات البرية والبحرية وصولا الى الطائرات المقاتلة الاعتراضية، هو إنفراد اسرائيل بإمتلاكها لمقاتلات الجيل الخامس (الشبحية) التي لا يتلقّفها أي رادار.
2.الرادار بمفهومه العام ومنذ استثمار قدراته على يد بريطانيا العظمى في أوائل الحرب العالمية الثانية، فإنه أضحى الأساس الذي يُعَدّ بمثابة العَين التي عندما لا ترصد لِتَرى الطائرة أو الجسم الطائر المعادي، لذلك فأن الأجهزة التي تعقب الرادار سيكون أداؤها بمثابة الـ(صفر) فلا يستطيع أي منها أداء واجبها ولو بنسبة 01بالمئة، بما فيها طيارو المقاتلات الاعتراضية الذين يعتمدون على الرادارات الأرضية أو البحرية أو الجوية بعيدة أو متوسطة المدى في دلالتهم وتوجّههم نحو موقع الطائرة/الطائرات المعادية.
3.وحتى عند توجّه الطيار نحو الهدف/الأهداف، فأن الرادار المتوفر في أقصى الأمام من بدن أية طائرة هو من يتحمل مسؤولية تلقّف الهدف المعادي وتحديد موقعه على شاشة الرادار المنفردة والمُثبّتة أمام عيني الطيار داخل مقصورة القيادة، وإلاّ فأن المقذوفة جو-جو سوف تمتنع من الإنطلاق ولا يستطيع الطيار اطلاقها مطلقاً!!!!
4.ومما أوردتُه نستنتج أن عِلّة القوة الجوية القطَرية وعموم القوات الجوية العربية وإيران وتركيا وسواها في عدم التصدي للعدو، أنها تتقابل مع طائرات F35 الشبحية، والتي تعجز الرادارات عن كشفها عن بعد أو قرب، وهو العَجز الأساس الخطير الذي لا علاج له بالوقت الراهن والمستقبل القريب، حتى لو امتلكت «قَطَر» الشقيقة وكل العرب والعجم الآلاف من أفضل مقاتلات الجيل الرابع والثالث، بل وحتى إن استحصلوا المئات من مقاتلات الجيل الخامس الشبحية!!! فالرادار المرتجى ذو المدى البعيد والمصمم لكشف حركة الطائرات الشبحية أمثال المقاتلاتF35 ، F22 الأمريكيتين، SU-57 الروسية، J-31 الصينية، والقاصفتان الأمريكيتان B-2 و B-21، فإن هكذا رادار لم يظهر إلى الوجود الميداني ليستطيع متابعة حركة طائرات من الجيل الخامس... علماً أن الجيل السادس كذلك في طريقها للإنخراط في الخدمة بالمستقبل القريب.
دولة عربية
5.ولكل ذلك فإن «إسرائيل» لم تَرْضَ في الأعوام السابقة، وسوف لن تسمح لسيّدتها وظهيرها المتمثّلة بالولايات المتحدة الأمريكية أن تزوّد أية دولة عربية أو إسلامية ولو بطائرة شبح واحدة من طراز F35 أو شبيهة لها، رغم المُغرَيات المليارية التي عرضتها تلك الدول الصديقة والحليفة المضمونة لـ»واشنطن»، ولو كانت مُطَبِّعة مع الكيان الصهيوني.
6.وهنا ترد ببالي نقطة في غاية الأهمية ترتبط بنظرية المؤامرة التي تطرّق إليها السيد الفريق، وأذكّره ومتابعيه الكرام بوقائع حرب الـ12 يوماً في أواسط حزيران الماضي، أن العشرات من المقاتلات الإسرائيلية F35 الخفية على الرادارات وسواها من مقاتلاتها أمثال الـF15 وf16 قد إخترقت أجواء جمهورية إيران الإسلامية بعد منتصف ليلة 12/13 حزيران بكل رهاوة وأريحية ونفذت ضربات دقيقة على عشرات المساكن وسط «طهران» وعدد من المدن الإيرانية الكبرى على بعد مئات الكيلومترات من إسرائيل، والتي أودت إلى مصرع العديد من كبار قادة الحرس الثوري والجيش ووزارة الدفاع الإيرانية والخط الأول من أبرز العلماء النوويين، من دون أن تستطيع منظومات الدفاع الجوي الإيرانية بتسلسل قدراتها ومدياتها وسقوف إرتفاعاتها القصوى، من إسقاط ولو طائرة إسرائيلية واحدة، بل وسيطرت على عموم أجواء الوطن الإيراني بلا رادع يُذكَر طيلة 12 يوماً متعاقباً وفرضت سيادة جوية حتى في أجواء مدينة «مشهد» المقدّسة الأبعد في أقصى شمال شرقي البلاد المتاخم لجمهورية «توركمانستان».
وهنا أختم القول إن كانت «إيران» صاحبة المساحة الشاسعة والقوات المسلّحة المقتدرة التي تحسب ذاتها في حرب مُعلَنة مع الكيان الصيوني والولايات المتحدة في هكذا حال، فكيف يكون حال «قَطَر» المسالمة التي لم تكن تتوقع إحتمالاً قدره 01 بالمئة من الأخطار المحدقة بالجمهورية الإسلامية؟!
عميد ركــن متقاعد.. دكتوراه في التأريخ