الفقر أسوأ أشكال العنف
نهله الدراجي
عندما نرفع أعيننا لنتأمل في هذه الدنيا المعقدة، نجد أنها مليئة بالتناقضات القاسية والمؤلمة. فالحياة تبدو كمسرحية مريرة، تجمع بين الجوع المدقع والإفراط الفاحش في تناول الطعام. قد يبدو الأمر طبيعياً لبعض الناس، ولكنه واقع مرير ومؤلم نعيشه يومًا بعد يوم.في الوقت الذي يموت فيه الكثيرون حول العالم جوعًا، هناك من يعيش في وفرة غير معقولة... الحقيقة المرة تكمن في أن الجشع والتبذير يسرقان الحق من الكثيرين...
فالأغنياء يتلذذون بما لذ وطاب من الطعام الفاخر وأطباق تزيد عن حاجتهم، بينما الفقراء يلتحفون جوعهم بصمت و يستسلمون لقدرهم المحتوم .. يا للمأساة .. !لقد تركت هذه الحقيقة المرة والصورة المؤلمة أثرًا عميقًا في أرواحنا وضمائرنا، وخاصة ونحن في الشهر الفضيل، شهر الصوم والجود والتضامن والتكافل ففي هذا الشهر الفضيل، نجد البعض من الأغنياء يتسابقون لتجهيز مائدة الإفطار الفاخرة، ويتفاخرون بنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، بينما يبحث الفقراء والمحتاجين عن قوت يومهم الذي يكون لساعات طويلة و مريرة..وهنا تكمن اللاعدالة الاجتماعية...!
وقد ذكر الله في محكم كتابه : «يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ» .
هذه الآية تدعونا إلى الاعتدال وعدم الإسراف في تناول الطعام والشراب، وتحثنا على تقدير النعم وعدم إضاعتها وتبذيرها...أن هذا التغيير يبدأ من أنفسنا ومن بيوتنا. يجب علينا أن نبدأ بالتفكير في كيفية تقليل الهدر وعدم الإسراف وإعادة توزيع الطعام للأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليه ... إنها خطوة بسيطة يمكن أن تسهم في استعادة التوازن بين الأغنياء والفقراء.فهو شهر الصيام الذي يعلمنا الصبر والتحكم في الرغبات، ويذكرنا بأن الحقيقة الأساسية في الحياة ليست الترف والتبذير، بل هي الرضا بالقليل والتوازن في الاستهلاك.لنمد يد المساعدة والعون للمحتاجين والفقراء، ولنساهم في رسم البسمة على وجوههم. فقد يكون للتبرع بوجبة طعام واحدة تأثير كبير على حياة شخص محروم... ولنتذكر أن الأمل لا يكمن فقط في الكلمات والتفكير، بل في الأفعال الصادقة والمبادرات العملية.ويجب أن نعي أن الحزن والأسى لا يكفيان لتغيير الواقع، بل يجب أن يكون لدينا العزيمة والإرادة للعمل بجدية من أجل إحداث تغيير حقيقي...لنكن أملًا يسطع في ظلمة العالم، ولنبدأ بأنفسنا ومن بيوتنا، ولنعمل معًا لتحقيق العدالة والإنصاف في هذه الدنيا..
تذكروا دائمًا أن ليس للفقير معدة أصغر من معدة الغني ولا للغني معدة أكبر من معدة الفقير..!