الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
أخلاق الغنيمة.. كيف تحوّل الفقر إلى رأسمال سياسي؟

بواسطة azzaman

أخلاق الغنيمة.. كيف تحوّل الفقر إلى رأسمال سياسي؟

عبدالكريم يحيى الزيباري

 

كيف تحوّل البؤس الاجتماعي إلى جماليات فردية تزين شِعارات المرشحين؟ كيف صارت الأخلاق أداة لتبرير اللا مساواة والأنانية بدل أن تكون وسيلة للعدالة والتكافل؟

الفقر في سياقه العراقي لم يعد معضلة اقتصادية بل أصبح بنية أخلاقية مقلوبة، تُشرعن الفساد وتعيد تعريف الفضيلة ضمن منطق الغنيمة والمحاصصة. وكما يرى سن أن غياب العدالة يولّد عنف الهوية، يرى هارفي أن فقدان المجال الاجتماعي يخصخص الأخلاق نفسها، ليصبح الفقر مسألة ذنب ذاتي لا بنية ظلم جماعي. (وحين يغدو الفقر مجرد أمر ذاتي لا أكثر، يخرج البؤس من الحقل الاجتماعي، باعتباره عجز سلبي بالكامل أو مظهر استلاب عَرَضَي في الواقع البشري. وحين يُرفع البؤس والتشرد إلى مقام السعادة الذاتية، فالأخلاق إنما يجري إخضاعها ودمجها في الذاتوية، مبررة ومفسحة الطريق لسياسات فردية كاريزماتية وللتطرف الأيديولوجي). ديفيد هارفي، حالة ما بعد الحداثة، ترجمة د. محمد شيًا، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، 2005، ص388.

رد الفقر

وللخروج من هذا المنزلق، يقتضي ردَّ الفقر إلى مجاله العمومي واستعادة لغة العدالة والسياسات العامة التي تصل الأخلاق بالاقتصاد، فتُبطل مفعول التطرف والكاريزما الفردية لدعاة الطائفية والقومجية.

يحوّل الحرمان المادي والرمزي الفقر من معاناة اقتصادية إلى أزمة هوية، إذ يبحث الشباب عن معنى للانتماء في ولاءات مغلقة تعوّض غياب العدالة. وعندما تغيب قنوات المشاركة العادلة، تتحول الكاريزما السياسية إلى بديلٍ عن المواطنة، ويغدو الولاء رأس المال الوحيد في سوقٍ بلا عدالة ولا أمل.

ويؤكد «أمارتيا سن» أنَّه (عندما تُحرم الفئات الشابة، أو تهان أو تُدفع إلى الشعور بأن لا صوت لها ولا مستقبل، يمكن أن تنجذب إلى الحركات أو الأيديولوجيات التي تبدو أنها تضمن لها مكانًا في العالم وتمنحها هوية صلبة. في بعض الأحيان، قد يجذب القادة الأقوياء هذه الفئات الى النزاعات باعتبارهم مقاتلين) أمارتيا سن، المجتمع والسلم الديمقراطي، ترجمة روز شوملي مصلح، المركز العربي للدراسات وأبحاث السياسات، الدوحة، 2016، ص128. خلاصة الدرس أن سياسات الإدماج والاعتراف والتمكين الاقتصادي أقدر على تفريغ جاذبية الكاريزما العنيفة من أي ردع أمني. فحين تُفتح قنوات المشاركة المؤسسية تنقلب طاقة التهميش إلى مواطنة فاعلة.

أعاد (الحصار/1990) صياغة الضمير الأخلاقي وفق منطق الضرورة، حيث انكمشت القيم في حدود البقاء. بعد 2003، تحوّلت أخلاق البقاء إلى أخلاق التبرير، فترسّخت منظومة قيم جديدة تأسست على منطق الغنيمة والمحاصصة، حيث غابت الزراعة والصناعة والتجارة، وانقطعت الصلة بين الاقتصاد والوعي الجمعي.

تفكيك مؤسسات

في ظل هذا التحول، انفتح الطريق أمام تفكيك مؤسسات الدولة، وتبرير الإثراء بغير سبب عبر خطابٍ يُمجّد المظاهر الزائفة ويحوّل السلطة إلى استعراضٍ للثروة. وهكذا تبدّل معنى الفقر من قضيةٍ اجتماعية ومسؤوليةٍ عمومية إلى فشلٍ فردي، يُلام فيه الفقير لأنه لم يحسن الاندماج في اقتصاد الولاء أو اقتناص فرصةٍ في سوقٍ تُكافئ الولاء لا العمل. وبدلَ أنْ يكون الفقر نداءً للتضامن والإصلاح، أصبح مادة جمالية وثقافية تُستهلك في الفن والإعلام بوصفها مشهدًا للبؤس أو أسلوبًا من أساليب الحياة. حيث يظهر المسؤول في صورة أو فيديو وهو يزور الأحياء الشعبية العشوائية، التي يُسفَك فيها دماء الأطفال بسبب مشاجرة على ألف دينار أو سرقة دجاجة. لتتحوّل فعل الزيارة إلى طقسٍ إعلامي يعيد إنتاج التفاوت بدل تجاوزه.

إنَّ إعادة بناء المنظومة الأخلاقية لا تكون بالوعظ، بل بإصلاح البنية التي جعلت الغنيمة بديلاً عن العمل، والمحاصصة بديلاً عن المواطنة. فالمجتمع الذي يفصل القيم العامة عن العدالة، ويقيس المصلحة بعدد الصور الانتخابية وحجم المواكب، ينحدر إلى اقتصاد الرموز الفارغة ثقافيًا وسياسيًا. وحدها الدولة قادرة على تحرير الأخلاق من التبرير وردها إلى وظيفتها الأولى ميزانا للعدالة.


مشاهدات 50
الكاتب عبدالكريم يحيى الزيباري
أضيف 2025/10/24 - 8:47 PM
آخر تحديث 2025/10/24 - 11:20 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 573 الشهر 16441 الكلي 12156296
الوقت الآن
الجمعة 2025/10/24 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير