مفارقة مؤلمة تكشف طريقين مختلفين نحو المستقبل
عبدالقادر حداد
في الوقت الذي تتجه فيه دول العالم إلى تسريع خطواتها نحو التحول الرقمي وبناء اقتصاد المعرفة، أعلنت دولة الإمارات عن استثمار يفوق مليار دولار في مشاريع الذكاء الاصطناعي والاجتماعي في عدد من الدول الأفريقية. خطوة تُقرأ بوضوح ضمن رؤية استراتيجية إماراتية متصاعدة لتوسيع نفوذها الاقتصادي والتكنولوجي، وخلق أسواق جديدة، وتثبيت حضورها ضمن سباق الأمم نحو الثورة الصناعية الرابعة . في المقابل، استيقظ العراقيون على تصريح صادم لوزير العمل السيد أحمد الأسدي كشف فيه عن اختفاء 2.5 تريليون دينار من اموال صندوق الرعاية الاجتماعية، وهو الصندوق المخصص لدعم الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع. هذا الرقم الضخم ـ الذي يعادل أكثر من 1.8 مليار دولار، لم يجد له الوزير تفسيرًا واضحًا سوى أنه “سُحب دون علم الوزارة خلال السنوات السابقة” . المفارقة هنا لا تتعلق فقط بحجم الأموال، بل بطريقة التفكير نفسها، فبينما تستثمر الإمارات في المستقبل، يكتشف العراق أنه فقد جزءًا من مستقبله دون أن يدري. الإمارات، عبر مؤسساتها وصناديقها السيادية، تتحرك بخطوات محسوبة لبناء منظومة اقتصادية جديدة قائمة على الذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا البيانات، وبناء القدرات البشرية . هذا النوع من الاستثمارات لا يستهدف الربح المالي فحسب، بل صناعة نفوذ اقتصادي وعلمي طويل الأمد، وتحويل الدولة إلى مركز إقليمي وعالمي لتقنيات المستقبل . أما العراق، الذي يمتلك واحدة من أكبر الميزانيات المالية في المنطقة، وثروات نفطية هائلة، فما يزال يدور بفلك الفساد المالي وغياب الرقابة، لدرجة أن تريليونات الدنانير يمكن أن تتبخر من صندوق يُفترض أنه خُلق لحماية الفقراء. المفارقة الأكثر ألماً أن مبلغ الـ 2.5 تريليون دينار هو رأس مال كان يمكن استثماره بالطريقة نفسها التي تفعلها الإمارات اليوم. كان يمكن أن يتحول إلى منصة تكنولوجية وطنية، أو مشاريع تعليم رقمي، أو بنى تحتية ذكية، أو حتى صندوق مستدام لضمان اجتماعي حقيقي، لكن بدلاً من ذلك، تحول إلى رقم مجهول المصير . في هذه المقارنة، لا يظهر الفارق بين دولتين فحسب، بل بين عقلية وأخرى، عقلية تؤمن بأن المستقبل يصنع عبر التكنولوجيا والمعرفة، وأخرى لا تزال تحاول معرفة اين ذهبت اموال اليوم قبل ان تفكر في الغد . تصريح وزير العمل العراقي ليس مجرد خبر عابر، إنه جرس إنذار جديد يثبت أن العراق بحاجة إلى إصلاح جذري في منظومته المالية والإدارية، وإلى فصل القرار الاقتصادي عن الفئات المتنفذة التي تتعامل مع مؤسسات الدولة وكأنها حسابات شخصية. وفي المقابل، تظهر تجربة الإمارات مثالًا واضحًا على ما يمكن أن تفعله الادارة الرشيدة، والرؤية المستقبلية، والقدرة على حماية المال العام .