الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
عندما نفقدُ الأيقونة، نفهمُ قيمتها

بواسطة azzaman

عندما نفقدُ الأيقونة، نفهمُ قيمتها

محمد خضير الانباري

 

الأيقونة ليستْ مجردَ صورةٍ أوْ رمز، بلْ هيَ معنى متجسدٌ ودلالةُ عميقةٌ هيَ حضورٌ يختصرُ الفكرة، ويعبرَ عنْ الهوية، ويمنحَ الشيءُ قيمةً تتجاوزُ شكلهُ الظاهر، فهي تمثلُ التفرد، وتبقى ثابتةً في الذاكرة، لأنها تحملُ رسالة، وتختصرَ تاريخا أوْ فكرا في رمزٍ واحدٍ واضحٍ ومؤثر.

     في بعض الأحيان، قد تأتي الصدفةُ لتعرفكَ على شخصيةٍ مميزةٍ منْ إحدى بناتِ عصرنا، تشبهها بالأيقونة، بصغر سنها وبعقلها وشخصيتها الواسعة الكبيرة متجاوزة بنات عمرها، قدْ يكونُ ذلكَ في مكانِ عمل، أوْ خلالَ دعوةِ غداء، أوْ زيارةٍ خاصةٍ غيرِ مخططٍ لها. إذ؛ تبدأَ الأحاديثُ عفوية، متنقلةً بينَ مواضيعِ شتى، لتكتشف معَ الوقتِ أنَ هذهِ الشخصيةِ تحملُ فكرا حاضرا وعقلاً متقدا، عندَ بدءِ الحديثِ تفضلُ الاستماعَ إليها أكثرَ منْ الكلام، وتتنقلَ معها بسلاسةٍ منْ موضوعٍ إلى آخر، خاصةً تلكَ التي تحملُ بعدا ثقافيا في السياسةِ والاقتصادِ والعلمِ والأدب، والثقافةُ بمختلفِ فنونها، بعيدا عنْ الأحاديثِ السطحيةِ التي تدورُ حولَ الطعامِ أوْ خدماتِ التوصيلِ أوْ الموضةِ أوْ الملابس.

    في زمننا هذا، نادرا ما نصادفُ نماذجُ كهذهِ منْ بناتِ عصرنا؛ فتياتٍ يحملنَ هذا العمقِ الفكريِ والوعي، بعدُ أنْ تعبنَ وعانينَ كثيرا حتى بلغنَ هذا المستوى منْ الإدراكِ والفهمِ الذي وصلنَ إليه. قدْ تكونَ لأنها امرأة، نسيتُ نفسها ومستقبلها الشخصيُ مدةً طويلة، وتفرغتْ للمعرفةِ والعلم. وحينُ تمنحُ فرصةً بسيطةً لحياتها الخاصة، تجدها سريعةً التعلقِ بالتجربةِ الجديدة، وكأنها موضوعُ بحثٍ لمْ تتناولهُ منْ قبل، فتسعى بكلِ طاقتها للوصولِ إليهِ وعدمِ فقدانه.

      إنَ الرغبةَ في النجاحِ أمرَ مشروعٍ لكلِ إنسان، والتمسكُ بالأشياءِ الثمينةِ هوَ في حدِ ذاتهِ قيمةً أثمن. ومنْ هنا، يصبح هذا الطموحِ الإنسانيِ نادرٍ الوجودِ في مثلٍ هذهِ الأيقونة، التي تستحقُ التقديرَ والدعمَ والتشجيعَ منْ الجميع، ورفعَ القبعاتِ احتراما لها، ومساندتها لتصلَ إلى مقصدها بأمان، وتعبرَ إلى ضفةِ الخير. وفي نفسِ الوقتِ يجب أن نستذكر قولهُ تعالى: ( وعسى أنْ تكرهوا شيئا وهوَ خيرٌ لكم، وعسى أنْ تحبوا شيئا وهوَ شرٌ لكم، واللهُ يعلمُ وأنتمْ لا تعلمون) سورةُ البقرة: (216).

    منْ هنا؛ كانتْ أيقونتنا، فتاةٌ عاديةٌ في نظرِ الكثيرين، لكنْ داخلها كانَ حلمٌ يكبرُ بصمت. اختارتْ طريقا لا يلتفتُ إليهِ الجميع، طريقُ الجهدِ والتعب، حيثُ العزلةُ ليستْ هروبا بلْ وعيا، والتواري عنْ ملهياتٍ الدنيا كانَ قرارا لا حرمانا. أغلقتْ أبوابُ الضجيجِ لتفتحَ نوافذَ المعرفة، وآثرتْ الصمتَ الطويلَ على كلامٍ لا يضيف. ومعَ الأيام، تحولُ التعبِ إلى بصيرة، والوقتُ الذي قضتهُ وحيدةٌ صارَ رصيدُ منْ الثقافةِ والفهم. قرأت، تساءلت، وتأملت، حتى أصبحتْ المعرفةُ جزءا منْ هويتها لا زينةً تتباهى بها. لمُ تسعً للظهور، لكنْ تميزها ظهر، لأنَ منْ يصادقُ العلمُ لا يحتاجُ إلى ضوءٍ خارجيٍ ليرى. وهكذا، صنعتْ منْ العزلةِ معنى، ومنْ الجهدِ طريقا، وأثبتتْ أنَ التميزَ الحقيقيَ يولدُ حينَ نبتعدُ قليلاً عنْ العالم، لنقتربْ أكثرَ منْ أنفسنا ومنْ المعرفة، ولديها مشاريعُ طموحٍ كثيرةٍ وكثيرةٍ تسعى لتحقيقها، وما قوله- سبحانهُ وتعالى- (وأنْ ليسَ للإنسانِ إلا ما سعى، وأنَ سعيهُ سوفَ يرى ) . سورةُ النجم: (39 – 40 ) .

 


مشاهدات 76
الكاتب محمد خضير الانباري
أضيف 2025/12/25 - 2:25 AM
آخر تحديث 2025/12/25 - 4:22 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 164 الشهر 18444 الكلي 13002349
الوقت الآن
الخميس 2025/12/25 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير