قراءة أولية للإنتخابات التشريعية
محمد الياسري
شهد العراق خلال الأيام القليلة الماضية مرحلة انتخابية جديدة تندرج ضمن المسار المتعثر لديمقراطيته الناشئة، حيث أُجريت الانتخابات التشريعية وسط ترقّب داخلي وخارجي، وفي ظل بيئة سياسية مضطربة تشهد تحولات داخل القوى التقليدية، وتراجعًا في ثقة الشارع، ومحاولات مستمرة من الأحزاب الصاعدة للتموضع في المشهد العام. هذه الانتخابات، التي تُعدّ الأهم منذ انتخابات 2021، جاءت أيضًا في ظل انقسامات سياسية حادة داخل البيت الشيعي، وتشتت داخل المكون السني، وتنافس كردي–كردي ينعكس على طبيعة التحالفات المقبلة، ومع إعلان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات نتائجها الأولية ونسب المشاركة، تبرز الحاجة إلى قراءة معمقة لما حدث، وما يمكن أن ينتجه هذا الاستحقاق من ملامح للحكومة القادمة، وماهي الدلالات التي يمكن أن تُستخلص من الأرقام، ومن خريطة القوى الفائزة، ومن المزاج الشعبي الذي بدا مترددًا، لكنه في الوقت نفسه يُظهر رغبة محسوبة في إعادة تشكيل الهوية السياسية للدولة العراقية.
تمتاز الانتخابات الأخيرة بأنها جرت في ظروف تختلف عن الدورات السابقة. إذ شهد العراق خلال السنوات الأخيرة احتجاجات واسعة، وتراجعًا في الخدمات العامة، وضغوطًا اقتصادية، وصراعًا داخل القوى السياسية انعكس بشكل مباشر على ثقة المواطنين، وبحسب أرقام المفوضية العليا، بلغ عدد المشاركين في التصويت العام والخاص معًا 12,003,143 ناخبًا من أصل21,404,291، أي بنسبة 56.11بالمئة.
حيث بلغ عدد المصوتين في يوم الاقتراع العام 10,898,327 ناخبًا (54.35بالمئة).
وهذه الأرقام تدل على عودة نسبية للثقة:رغم المقاطعة التي دعا إليها التيار الصدري، ورغم الإحباط العام، إلا أن نسبة 56بالمئة تعتبر أفضل من توقعات كثير من المحللين الذين رجّحوا نسبة مشاركة تتراوح بين 40بالمئة و45بالمئة، التصويت الخاص يكشف فجوة سياسية: نسبة الإقبال في التصويت الخاص للأجهزة الأمنية بلغت 82.52بالمئة، مقابل نسبة أقل بكثير بين المدنيين.
وهذا يشير إلى:انضباط المؤسستين العسكرية والأمنية، شعور فئات واسعة من المدنيين بأن العملية الانتخابية لا تُحدث التغيير الكافي، إقبال النازحين (77بالمئة):وهي نسبة تُظهر رغبة هذه الفئة المهمشة في المشاركة رغم الظروف الصعبة، الأمر الذي يعكس تفاعلاً سياسيًا أعلى من المتوقع داخل المخيمات، تراجع عدد المسجلين مقارنة بانتخابات 2021
بعد تحديث سجل الناخبين، انخفض العدد من نحو 24 مليونًا إلى 21.4 مليون.
هذا يعكس:تعليق أسماء مهاجرين ومقيمين خارج البلاد، تحديثًا أعمق لقاعدة البيانات.
لكنه يعكس أيضًا عزوف آلاف الشباب عن تحديث بياناتهم الانتخابية نتيجة عدم الثقة.
- خلفيات سياسية تسبق يوم الاقتراع لا يمكن فهم نتائجها