حول المفكر الدكتور علي المؤمن ودوره وأهمية مؤلفاته (*)
أمل محمد الأسدي
بدءاً؛ لابد أن نشخّص أن أهمية كتب المفكر الإسلامي د. علي المؤمن، تنبع من علاقتها بالواقع الذي تعيشه الأمة الإسلامية عموماً والأمة العراقية خصوصاً، لأن ما قدّمه المؤمن من دراسات وتوثيق وتنظير يعالج إشكالية الهوية في العراق، تلك الإشكالية التي اختلقها الغرب وزرعها في أرضه وبقي يغذيها وإن كانت مبنية في أغلبها على الأوهام، فقد ألصق متبنو النظرية الغربية الكثير من الاتهامات والعيوب والسلبيات بالمجتمع العراقي، وخلطوا خلطاً عجيباً يتنافى مع المنهج العلمي.
على سبيل المثال (علي الوردي) الذي خلط بين الديني العقدي والثقافي والأدبي والعلمي والإعلامي والاجتماعي، وحوّل الحالات الفردية إلى ظواهر اجتماعية، وراح يتحدث بمنتهى اللامنهجية واللا حيادية عن المجتمع الشيعي، ويضع استنتاجاته ويصدّر حلولا، وضعها هو بحسب قناعاته وميوله، وتجد ذلك في كتبه: وعاظ السلاطين، ودراسة في طبيعة المجتمع العراقي، وشخصية الفرد العراقي، إذ تخلو من المنهجية العلمية، ولا ننسى أنه نال دعماً كبيراً من الغرب الذي يعد قضية تفتيت الهوية وتمييعها من أهم قضاياه، فهي الوسيلة التي تمكنه من تحقيق أهدافه الرأسمالية في السيطرة على البلدان الغنية، وإلى الآن يتم الترويج لأفكار الوردي وكأنها مسلمات وحقائق وليست شطحات ورؤى غير مستندة إلى دليل وإحصاءات علمية دقيقة!!
إن هذا المد العلماني الغربي يدفع الذات العراقية الشيعية يوماً بعد يوم في مستنقع الدونية، ويشوه كل ما لديها من إيجابيات، ويلهث نحو الغرب ليتلقف كل ما يصدره حتى الفضلات الفكرية والنظريات الفاشلة التي أخفقت حتى في البيئة التي نشأت فيها. وبما أننا نريد أن ننهض بالمجتمع ونعالج مشكلاته ونفكك إشكالية الهوية لديه ونريد مواجهة الضخ الإعلامي الذي يستهدف الهوية العراقية والهوية الإسلامية عموما؛ وجب علينا البحث عن مدرسة اجتماعية إسلامية جديدة، تنتشل الهوية من الهامش وتدفع بها لتكون في موقعها الحقيقي، وتنال استحقاقها الطبيعي.
وقد وجدنا ضالتنا فيما قدمه المفكر الإسلامي الدكتور علي المؤمن، فهو يمثل الخط الإسلامي الحديث الذي يسعى إلى تعزيز الذات الشيعية، وترسيخ الهوية الشيعية الإسلامية، ويزيل عنها لغط المد العلماني، ويدعو بكل وضوح إلى نبذ الطائفية، ويبين أن الهويات تتعدد ولا تتصادم، وأن لكل إنسان مجموعةً من الهويات التي تعرّفه وتجيب عن تساؤل: من هو؟ أو من أنتَ؟
وأُعدّ كتابه «الاجتماع الديني الشيعي ثوابت التأسيس ومتغيرات الواقع» أهم كتبه؛ فهو الكتاب الأول الذي حاز الريادة في طرح قضية الأمة وانتشال هويتها من عالم الهامش الثانوي إلى المقدمة؛ لأنه قلب اللغة المقترنة بواقع المجتمع منذ قرون بعيدة، قلبها من الانهزام والضعف والتكفير إلى الإصرار والقوة والثبات، إذ طرح كل السبل التي تحفظ الهوية وتحافظ على كيان الأمة، وهو في ذلك يتناول الاجتماع الشيعي بعيداً عن الجانب الديني العقدي، وبعيداً عن التزام الفرد دينياً من عدمه، هو يتعامل مع المجتمع على أنه كتلة بشرية متراصة تجمعها خصائص مشتركة، وتمتلك عناصر قوة عديدة، ولهذه الكتلة (الأمة) نظام اجتماعي ينظّمها وتنتظم به. وهذا الطرح الواعي المتطور لا يضمن استقرار الهوية وصناعة الذات القوية وحسب؛ وإنما يحوّل الهوية من المحلية إلى العالمية الإنسانية.
أما المكانة العلمية للدكتور علي المؤمن فلا يمكن التحدث عنها ببضع سطور، إذ يتضح جليا لكل باحثٍ ولكل متلقٍ واعٍ وموضوعي؛ أن المفكر المؤمن شخصية علمية منهجية متفردة، إذ جمع بين الموسوعية من جهة، والتخصص الدقيق من جهة أخرى، وأنه يمتلك عقلية منظمة تنظيماً نادرا، فإذا تابعت محاضراته ستجد لسانه قلماً متحركاً، يرتب الأفكار بتسلسل، وينتقل من المقدمات إلى العقدة ثم إلى الحل والنتائج، معززاً طروحاته بأدلة عقلية ونقلية، ومشيراً إلى مصادر متنوعة، محلية وأجنبية، ثم يقدم للمتلقي ملخصاً عاماً لما تناوله. والمدهش في الموضوع أنه يجعل الملخص نقاطاً متسلسلة، وكأنها مكتوبة أمامه!
هذا غير صفة المواكبة التي يتسم بها الدكتور المؤمن، فهو في تحديثٍ دائم لأفكاره وطروحاته ومعالجاته وبحسب مستجدات الواقع، ولكني أجد أن هذه المواكبة قد أوقعته أحياناً في مطبات أو مواجهات لا مجال لذكرها هنا.
ختاماً؛ نأمل من الدولة العراقية ومن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أن توفر المنبر المناسب للمفكر الدكتور علي المؤمن؛ لأن الساحة الثقافية تحتاجه كثيراً؛ فمن حق الطلبة والباحثين أن يتعرفوا على فكره وأطروحاته التي تكسر المألوف السائد، ذلك المألوف المدعوم غربياً، والذي يصب في مصلحة الغرب، ويقضم في كل يوم مزيداً من كيان الفرد العراقي وهويته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) المقال بالأساس جواب الدكتورة أمل محمد الأسدي، الأستاذة في جامعة بغداد، على أسئلة طرحها عليها الباحث مصطفى سجاد إبراهيم، للاستفادة منها في رسالته الماجستير المعنونة: «علي المؤمن ودوره الفكري في تاريخ العراق المعاصر»، والتي تمت مناقشتها في جامعة بابل في 18/9/ 2025.