الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
من غزة إلى الشرق الأوسط.. قلق إسرائيلي من تنامي نفوذ تركي في المنطقة

بواسطة azzaman

من غزة إلى الشرق الأوسط.. قلق إسرائيلي من تنامي نفوذ تركي في المنطقة

عبد القادر حداد

 

تشهد الساحة الإقليمية في الشرق الأوسط تصاعداً ملحوظاً في التوتر بين إسرائيل وتركيا، على خلفية ما وصفه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ب «الخط الأحمر» المتعلق بأي دور تركي داخل قطاع غزة، سواء كان سياسياً أو أمنياً أو حتى مدنياً في مرحلة ما بعد الحرب. ويعبّر هذا الموقف عن مخاوف إسرائيلية متجذّرة من اتساع النفوذ التركي في المنطقة، في وقت تشهد فيه إيران تراجعاً كبيرا في حضورها وتأثيرها، مما يفتح المجال أمام أنقرة لملء جزء من هذا الفراغ الإقليمي . يأتي التحفّظ الإسرائيلي انطلاقاً من قناعة راسخة بأن أي وجود تركي في غزة، مهما كان طبيعته، يمثل تهديداً مباشراً لمصالحها الاستراتيجية. فقد أعلن نتنياهو بوضوح أن إسرائيل « لن تسمح بأي وجود تركي في غزة «، سواء في إطار قوة حفظ سلام أو ضمن ترتيبات إعادة الإعمار. وترى تل أبيب أن مشاركة أنقرة في إدارة أو إعادة بناء القطاع ستمنحها موطئ قدم سياسي واقتصادي داخل الأراضي الفلسطينية، ما قد يُترجم إلى نفوذ طويل الأمد يتعارض مع الأهداف الإسرائيلية المتمثلة في تحجيم أي قوة إقليمية منافسة قريبة من حدودها . كما تنظر إسرائيل بقلق إلى طبيعة الخطاب التركي تجاه القضية الفلسطينية، إذ لا تتردد أنقرة في توجيه انتقادات علنية وحادة للسياسات الإسرائيلية، خصوصاً في ظل استمرار الحرب على غزة. وتعتبر تل أبيب هذا الخطاب محاولة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لاستثمار المشاعر الشعبية في العالم الإسلامي لتعزيز موقع تركيا القيادي في المنطقة . في المقابل، تسعى تركيا إلى ترسيخ دورها كقوة إقليمية قادرة على ملء الفراغ الذي خلّفه تراجع النفوذ الإيراني في بعض الساحات، خصوصاً في غزة وسوريا. فأنقرة باتت تدرك أن الظروف الراهنة سواء نتيجة العقوبات المفروضة على طهران أو انشغالها بأزماتها الداخلية توفر فرصة مواتية لتوسيع حضورها السياسي والاقتصادي، لا سيما في المناطق ذات الحساسية الاستراتيجية العالية . وتوظّف تركيا أدوات متعددة لتحقيق هذا الهدف، تجمع بين القوة الناعمة عبر المساعدات الإنسانية والمشاريع التنموية، و القوة الصلبة من خلال تعزيز وجودها العسكري في مناطق مثل شمال سوريا والعراق وليبيا. وتُدرك إسرائيل أن هذا النهج التركي متعدد الأبعاد يمنح أنقرة قدرة على التغلغل السياسي والاقتصادي دون الحاجة إلى مواجهات مباشرة، ما يزيد من قلقها إزاء التغير في موازين القوى الإقليمية . تخشى إسرائيل من أن يشكّل النفوذ التركي المتنامي امتداداً لمحور جديد منافس يربط بين غزة وسوريا ولبنان، ويعيد رسم خريطة التحالفات في الشرق الأوسط. فالتقارب التركي مع بعض القوى الإسلامية في المنطقة، إلى جانب موقفها المناهض لسياسات إسرائيل، يضعها من وجهة النظر الإسرائيلية في خانة القوى التي يمكن أن تؤثر سلباً على مصالحها الاستراتيجية والأمنية.

إعادة إعمار

كما ترى تل أبيب أن الدور التركي في إعادة إعمار غزة، إن تحقق، سيتيح لأنقرة تعزيز روابطها الاقتصادية والسياسية مع الشعب الفلسطيني، ما يمنحها نفوذاً غير مباشر على الداخل الفلسطيني، ويُضعف قدرة إسرائيل على التحكم بمسار ما بعد الحرب . إن التوتر الإسرائيلي التركي لا يمكن فهمه بمعزل عن التحولات الجارية في المشهد الإقليمي الأوسع. فإيران، التي مثّلت لعقود محور التأثير الرئيسي في ما يُعرف بمحور المقاومة، تواجه اليوم تحديات تقلّل من قدرتها على فرض حضورها السابق. وفي المقابل، تسعى تركيا إلى بناء نموذج مختلف للنفوذ يعتمد على البراغماتية السياسية والتغلغل الاقتصادي، مع الاحتفاظ بخطاب داعم للقضايا الإسلامية كأداة للتأثير المعنوي . وهذا التغيّر في الأدوار يضع إسرائيل أمام معادلة جديدة، فمن جهة، ضعف إيران قد يبدو مكسباً تكتيكياً، لكنه في المقابل يفسح المجال لقوة إقليمية أخرى أكثر ديناميكية وأقل قابلية للردع، وهي تركيا، ما يجعل تل أبيب في حالة قلق مستمر إزاء إعادة تشكّل موازين القوى في المنطقة . يؤشر هذا الصراع غير المباشر بين إسرائيل وتركيا إلى مرحلة جديدة من إعادة التموضع الإقليمي، حيث تسعى القوى الإقليمية إلى ملء الفراغات التي تركتها التحولات الجيوسياسية بعد الحروب المتتالية. فالمنطقة تتجه نحو تعددية نفوذ متداخلة، تتنافس فيها أنقرة وطهران وتل أبيب والرياض على إدارة ملفات الأمن والطاقة وإعادة الإعمار. كما أن هذا التنافس لا يقتصر على الجوانب السياسية والعسكرية، بل يمتد إلى البنية الاقتصادية والدبلوماسية، حيث تحاول كل دولة فرض نموذجها في إدارة ملفات ما بعد النزاعات، بما في ذلك غزة وسوريا والعراق، وهي ملفات مترابطة تشكّل مجتمعة مسرحاً لصراع النفوذ القادم في الشرق الأوسط .

 

 


مشاهدات 56
أضيف 2025/11/08 - 4:22 PM
آخر تحديث 2025/11/09 - 1:12 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 41 الشهر 5780 الكلي 12367283
الوقت الآن
الأحد 2025/11/9 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير