كيف يصبح المستحيل واقعاً في الانتخابات؟
رشيد العجيل
في عالم السياسة حيث تُ بنى الجدران العالية من التحيزات والمصالح المتشابكة تبقى الانتخابات أداة قوية لتغيير القناعات وإعادة تشكيل الواقع. اليوم، مع اقتراب الانتخابات العراقية البرلمانية في 11 نوفمبر 2025 يتساءل الكثيرون: هل يمكن للكفاءات والمخلصين أن يفوزوا رغم “الصقور المعششة” – تلك القوى السياسية المتجذرة التي تسيطر على المشهد منذ عقود؟ الإجابة تكمن في قصة فوز زهران ممداني، الهندي المسلم بمنصب عمدة مدينة نيويورك في انتخابات 2025 رغم وجود تيار يميني متطرف يسيطر على الرواية السياسية وأكثر من مليوني يهودي كسب نصف شبابهم لصالح حملته.ممداني الذي ينتمي إلى اليسار التقدمي واجه تحدياً هائلاً في مدينة نيويورك التي هي أيقونة التنوع الأمريكي لكنها أيضاً ملاذ لليمين المتشدد الذي يروج للعداء تجاه المسلمين والمهاجرين. مع حملة تركز على خفض تكاليف المعيشة ودعم الطبقة العاملة نجح ممداني في إقناع الناخبين بأن هويته الهندية-المسلمة ليست عائقاً بل قوة تجسد الوعد الأمريكي بالفرص المتساوية. فاز بنسبة مذهلة محطماً توقعات الخبراء لأنه لم يركز على الشعارات الفارغة بل على تغيير قناعات الناخبين من خلال حوار مباشر وحلول عملية. هذا الفوز يذكرنا بأن الانتخابات ليست مجرد عد أصوات بل معركة للقلوب والعقول حيث يمكن للإقناع أن يحول “الأقلية” إلى أغلبية.الوضع أكثر تعقيداً في العراق بعد سنوات من الفوضى والفساد حيث يسيطر “الصقور” والزعماء على البرلمان والموارد، يبدو فوز الكفاءات مستحيلاً. الانتخابات السابقة أظهرت إحباطاً شعبياً، مع نسبة مشاركة منخفضة وتسيطر فيها الأحزاب التقليدية. لكن اليوم مع حملات الشباب والمستقلين الذين يدعون إلى الإصلاح والشفافية يبرز أمل جديد. إذا استلهمنا من ممداني، فالسر يكمن في التركيز على الأرقام: ليس عدد الناخبين المسجلين (حوالي 22 مليوناً)، بل في إقناعهم بأن التغيير ممكن. حملات التواصل الاجتماعي، المناظرات المباشرة، والوعود الملموسة بمكافحة الفساد يمكن أن تحول اللامبالاة إلى حماس.الدرس المشترك بين نيويورك وبغداد هو أن المستحيل يصبح واقعاً عندما ندرك أن الانتخابات هي فن الإقناع. في نيويورك، فاز مسلم مهاجر رغم اليمين المتطرف والهيمنة المؤيدة لخط الرئيس الأمريكي ترامب في العراق يمكن للكفاءات أن تنهض رغم الصقور إذا أثبتت أنها تمثل الأغلبية الصامتة. الانتخابات القادمة ليست مجرد تصويت، بل فرصة لإعادة كتابة التاريخ. هل سنشهد في بغداد قصة ممداني العراقية؟ الإجابة في يد الناخبين وفي قدرة المخلصين والوطنيين على إقناعهم.