إصلاح الدولة
فاضل ميراني
رغم ان التخريب قد يكون في الاغلب اسهل من الاصلاح، الا انه يكون صعبا امام مجتمع واع مدرك، حينها يخيب المُخرّب، وكذلك يكون الاصلاح صعبا وربما مستحيلا اذا ارتطم بموانع تحول دون بدئه او استمراره.
عندما نتكلم عن الدولة التي نريد، التي نعيش فيها او التي هي من حقنا، فأن كلامنا و عملنا ليس اشتغالا بمعارضة لحاكم نتوقع نجاحه في مشروع سلطة تفهم حقوق مواطنيها، ليست هذه اخلاقنا و لا هذا تاريخنا، فنحن لم نعارض حاكما و لا عارضنا جهاز حكم ثبت حينها او بعدها انه يتحرى العدالة في شغله، وان كنا نجلس لفترات سلام، فذلك هو الواقع و المتاح وهو الدور الذي نمثله و يغيب فهمه عن كثيرين من حيث اننا نرفض اختصار الحكم بفرد او جهة سياسية توارثت فهم السلطة انها امتلاك لمصير الجميع، الجميع القابل الخاضع المنساق الملبي لها إن امرت و المنتهِ ان نهت، بل اردنا دوما ان يفهم الحاكم وان يعرف الجمهور، ان السلطة هي حالة، حالة مؤثرة في بناء الدولة، قد تجلب لها العافية و قد تجلب عليها المرض و الموت، وحتى تكون متعافية، فلا اختصار لها بفرد، ذلك ان الفرد الانساني لما احس بنسبيته و خشي على تلاشي تأثيره بزواله، طور فكرة ابقى منه هي المؤوسسة، فحياة الناس بأحتياجات اساسية و تباينية تديرها مؤوسسات عدة توفر البديل عن الانسان بأخر او بخيار آخر اذا تعذر عليه اداء العمل.
ليس غريبا و لا مستبعدا بل مطلوب لكل نظام ان يفحص ادواته و جاهزيتها و مواكبتها، ذلك ان الاصلاح ليس معاكسا فقط للتخريب، بل يحدث ايضا بسبب الاندثار وانتهاء العمر الافتراضي، وهذا مبحث يُفهم منه حرص ابقاء المؤوسسة و المرفق العام جاهزا لتسيير الاعمال، اما إصلاح التخريب، فعملية تصعب كلما كان الهدف الذي تم تخريبه مؤثرا في مشهد هيبة الدولة، ويكون فادحا كلما كان الفاعل رسميا او اقوى من الرسمي، تستر بالانكار، او جاهر محتميا بدعاية مكذوبة، ومحتميا بحصانة ما.
مصالح غير مشروعة
الاصلاح في جانب من جوانبه هو تخريب مصالح غير مشروعة، مصالح فكرية- وهي اشد فتكا من غيرها- تنتج احتياطيا بشريا مسلوب الاختيار، ومصالح كسب و إثراء لها واجهات و اوراق ملكية حامية مانعة من الادانة.
لابد من الاعتراف بحقيقة تدمي الفم و الوجدان، ان الحالة العراقية تعرضت منذ اواخر منتصف القرن العشرين لضغط سياسي خلق نوعا من التشوه الفكري و الادراكي يصعب علاجه، بل ان التعويض العيني و النفسي لم يشكل علاجا لبناء ثقة بالسلطة، ففداحة قتل الدولة لمواطنيها لسبب سياسي، هي جريمة من ابشع الجرائم، حيث يتم تكريم القاتل و اسناد ادوار له، وتغذية الجمهور بالاكاذيب على انها حقيقة جعلت كثيرا منهم يفخر بتعاونه مع الاجهزة في سجن و قتل و تسفير و تهجير ابرياء.
هذه الافعال و لسوء الحظ الجغرافي ما كانت لتنتهي لاسلوب البيانات الاستنكارية من كثيرين لو انها حدثت بمكان آخر من العالم الحر.
لقد شهدت شخصيا مثلي مثل غيري، كيف كان الاداء الحاكم يحاصر الجمهور بفرض الصور و الغناء و الشعر، وملاحقة الفرد بالتحري و التشكيك، واشاعة الخوف في المدرسة و المعاهد، وفي العمل الحكومي و الخاص، ومثلي مثل غيري ادرك و يدركون ان التخلص من تأثيرات تلك التصرفات لن يحدث بمجرد زوال العامل المؤثر.
ان الاصلاح في مثل الحالة السائدة، هي اشبه بعملية جراحية دقيقة، عملية تحتاج لطبيب مقتدر و تجهيزات متكاملة، بعيدة عن جماعات تحيط المشفى و تهدد بقتل الطبيب.
امام مشاهد يومية عن حجم الخراب، فثمة لا مبالاة واضحة عند كثيرين، ربما فقدوا الشعور بحقوقهم مجبرين، وراحوا يرددون خطأ مقصد مقولة( ليس في الامكان افضل مما كان).
الدولة لا يصح ان تجنح من بعد تعثرها لعقود نحو جهة اداء لتخلق طبقة منعمة ثمنها مصالح غالبية مغذاة بالخوف وبالدعاية المجانبة للصدق.
لما وضعنا و رفعنا و عملنا لشعار الديمقراطية للعراق، كان مقصدنا و يبقى ان تُخلق مواطنة سليمة بحق و واقع وليست مواطنة استعراض رسمي لدعاية ممولة معروفة الغاية.
ولذا فالاصلاح مانع من بروز واقع مقبل تغطي على كوارثه نشوة الطموح للتحكم بالاقرار و ملحقات القرار من مكاسب.
□ مسؤول الهيئة العاملة للمكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني.