أيهما الأصلح لقيادة الدولة؟
محمد علي الحيدري
يبقى الجدل بين الرئيس الحزبي والرئيس التكنوقراطي سؤالًا جوهريًا في تقييم جدوى أنظمة الحكم المعاصرة. فالحزبي يستمد شرعيته من صندوق الاقتراع وبرنامجه الانتخابي، ما يمنحه قدرة على الاستمرار وربط سياساته بإرادة الناخبين، لكنه في الوقت نفسه مقيد بمنطق حزبه وبحاجته إلى إرضاء تحالفات ومصالح داخلية قد تتحول إلى شبكة معقدة من الولاءات. هذه الشبكة، إذا ما تراخت الرقابة أو ضعفت المؤسسية، تفتح الباب لفساد حزبي منظم، أخطر وأعمق من الفساد الفردي لأنه يمتد في أجهزة الدولة ويُشرعن عبر المحاصصة الحزبية. رئيس الحكومة الحزبي يضطر في الغالب لتشكيل فريق عمل حزبي بالدرجة الأولى، مطعّم ببعض المستقلين أو الموالين، لكن الكفاءة تظل ثانوية أمام الولاء.
في المقابل، التكنوقراطي لا يستند إلى حزب قوي ولا يملك قاعدة انتخابية عريضة، لكنه يتحرك من موقع مختلف: الخبرة والكفاءة. وهو غالبًا أكثر حرية في اختيار فريق يعتمد على اختصاصيين غير حزبيين قادرين على صياغة برامج إصلاحية وتنفيذها بعيدًا عن المحاصصة.
هذا يمنحه ميزة خاصة في إدارة الأزمات الاقتصادية أو المؤسسية، حيث تكون الحاجة ماسة لقرارات جريئة لا يعيقها حساب الربح والخسارة الحزبية. صحيح أن التكنوقراط يفتقرون للاستمرارية السياسية وقد يجدون أنفسهم أسرى لمعادلات برلمانية هشة، لكن قدرتهم على التحرر من الانضباط الحزبي تتيح لهم مساحة أوسع لمحاربة الفساد وإطلاق إصلاحات جادة قد تعجز الحكومات الحزبية عن تبنيها.
الاستنتاج هنا أن الأصلح يختلف بحسب المرحلة: في ظل حياة سياسية مستقرة وأحزاب قوية تخضع للمساءلة، يظل الرئيس الحزبي خيارًا طبيعيًا ومستدامًا. لكن في لحظات الانسداد أو تفشي الفساد الحزبي، فإن التكنوقراطي قد يشكل الحل الأكثر واقعية، لأنه يفتح نافذة إصلاحية تضع الكفاءة فوق الولاء وتعيد للدولة شيئًا من توازنها المفقود. من هذه الزاوية، تميل الكفة لصالح التكنوقراط حين تكون الحاجة ملحّة لإعادة بناء الثقة بالدولة ومؤسساتها، حتى لو كان ذلك على حساب الارتكاز الحزبي التقليدي.