مكتبة أوقاف السليمانية .. نفائس تختزل تاريخ ستة قرون
باسل الخطيب
يختزل فيها تاريخ السليمانية، وتزخر بنفائس المخطوطات وأمهات الكتب، إنها مكتبة أوقاف السليمانية، التي يتجاوز عمر مخزونها المعرفي الستة قرون.
تاريخ وعراقة
وترجع جذور المكتبة، إلى المكتبة البابانية، في قلعة جوالان (قلاجولان) أثناء عهد إبراهيم باشا (1781 - 1802) الذي يعتبر من أشهر أمراء الإمارة البابانية. وبعد تأسيس مدينة السليمانية عام 1784، وانتقال تلك الإمارة إليها، جمعت موجودات المكتبة ونقلت إلى الجامع الكبير بالمدينة. وكان أول أمين لها هو الشيخ معروف النودهي (1753- 1838)، الذي جمع فيها أمهات الكتب من شتى بقاع العالم، وبعد وفاته عهد الإشراف عليها إلى ابنه كاك أحمد الشيخ (1793- 1887) الذي حافظ عليها طوال حياته.
وبعد فشل ثورة الشيخ محمود الحفيد (1878- 1956)، قام البريطانيون بجمع نحو ستة آلاف من مخطوطات المكتبة وحرقها أمام أنظار الأهالي، لكن الشيخ محمد الخال (1904- 1989) تمكن من إنقاذ 641 مخطوطة من الحرق وجمعها إضافة إلى مخطوطات أخرى كانت مخبأة في غرفة الضريح بالجامع الكبير، ونقلها إلى داره حفاظاً عليها، وعند وفاته تم نقلها مجدداً إلى مكتبة أوقاف السليمانية.
كنوز ونفائس
تقول مدير المكتبة، كوثر محمد أمين قادر، إنها «تعتبر من أقدم المكتبات في إقليم كوردستان وتمتلك حالياً 3800 مخطوطة وأكثر من 30 ألف كتاب باللغات الكوردية والعربية وثلاثة آلاف مصدر باللغات التركية والعثمانية والفارسية بعضها نادر يعود تاريخها إلى أكثر من 150 سنة أو مطبوع طباعة حجرية»، وتشير إلى أن «أقدم مخطوطات المكتبة هي مسالك الأبصار في ممالك الأمصار لابن فضل الله العمري (شهاب الدين أبي العباس أحمد بن يحيى بن دعجان الدمشقي الشافعي المتوفى 749هـ) التي تعود لأكثر من 750 عام وهي موسوعة شاملة عن العالم العربي والإسلامي حتى القرن الثامن الهجري تشمل الجغرافيا والتاريخ والتراجم فضلاً عن المعادن والحيوان ودراسة الأديان والفرق والمذاهب».
وتضيف أن من نفائس المكتبة الأخرى «قرآن كريم مكتوب بماء الذهب عمره 280 عام يعود للشيخ معروف النودهي»، وتبين أن قسم الصحف والمجلات «يعتبر أكبر قسم في المكتبة ويضم أقدم جريدة صدرت في العراق».
وتوضح المديرة، أن المكتبة «تعتمد تصنيف ديوي العشري وتنفذ مشروعاً لرقمنة المخطوطات بلغت نسبة الإنجاز فيه 50 بالمئة حالياً»، وتلفت إلى أن لدى المكتبة «قسماً متخصصاً بترميم المخطوطات للحفاظ عليها من التلف».
صحف ومجلات توثق التاريخ الكردي والعربي
بدورها تقول مسؤولة قسم الصحف والمجلات في المكتبة، بناز نجم الدين نوري، إن القسم «يضم مجموعة كبيرة ومتنوعة من الصحف والمجلات القديمة التي توثق حقبة مهمة من التاريخ الكوردي والعربي وإن المكتبة تواصل العمل على تحويلها إلى صيغ رقمية للمحافظة عليها وضمان سهولة تداول محتوياتها برغم ضعف الإمكانيات المتوافرة لديها»، وتبين أن من بينها «جين، اتحاد الشعب، هته تاو، نزار، دياري كوردستان، مجلة القضاء، كلاويش، العهد الجديد، مجلة القضاء، الوقائع العراقية، الأهالي والهلال على سبيل المثال لا الحصر».
من جانبه يواصل مسؤول قسم الترميم في المكتبة، كوجر نعمان حافظ، جهوده لصيانة المخطوطات والكتب والمطبوعات المتضررة أو التالفة بفعل العوامل المختلفة وتغليفها للمحافظة عليها لاسيما أن بعضها ذات قيمة تاريخية مهمة.
الحاجة لبناية مناسبة
وبسؤال المديرة كوثر محمد أمين قادر، عن باقي موجودات المكتبة، توضح أنها «تضم أيضاً 14 مكتبة خاصة لشخصيات علمية أو دينية كوردية بارزة أهديت لها منها الملا صالح الهورني، الملا سعيد زمنا كويي، الملا كاك حمه، الملا عبد الرحمن كول، الملا مجيد كلالي، الملا محمد كلالي، الملا حسن بالخي، الشهيد كامل، دلير سيد مجيد و كلاويز خان»، وتنوه إلى أن المكتبة «تربط بعلاقات جيدة بنظيراتها في العتبات المقدسة في النجف وكربلاء وبمكتبة الوقف السني في بغداد وبمكتبة جامعة أكستر البريطانية ومكتبات أخرى مصرية وإيرانية».
وتشكو قادر، من «افتقار المكتبة لبناية مناسبة خاصة بها»، وتعرب عن أملها بأن «يوافق مجلس وزراء الإقليم على تنفيذ مشروع البناية الجديدة الخاصة بالمكتبة وتجهيزها بالأجهزة والمعدات اللازمة علماً أن أرض المشروع موجودة في وسط مركز مدينة السليمانية».
بكل الأحوال تشكل المكتبة كنزاً معرفياً كردستانياً لا بد من الاهتمام به والمحافظة عليه، ولعل الإسراع بتنفيذ مشروع بناية مناسبة هو أقل ما ينبغي تقديمه بهذا الشأن.